وطريق آخر : اعلم أنّ طهارة النفس إنّما هي تزكية الظاهر باستعمال الشرائع الحقّة ، والانقياد لأوامر الله تعالى ونواهيه على حسب ما هي في نفس الأمر ، وتخلية السرّ في الأخلاق الذميمة. وفائدة هذه الطهارة أنّ النفس تستعد لأن يفيض الله تعالى عليها ـ بكرمه ومنّه وجوده ـ الصور القدسية ، فتتحلّى بالكمالات النفسانية.
وذلك إنّما يتمّ بإرسال المعصوم ؛ إذ الدلائل اللفظية لا تفي بذلك ، ولا مدخل للعقل في ترجيح كثير من الأحكام الشرعية ، فلا بدّ من الإمام المعصوم.
وطريق آخر : من جملة إرادة التطهير إقامة الحدود والتعزيرات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وجعل ذلك مفوّضا إلى غير المعصوم لا يؤدّي إلى التطهير ؛ لأنّ فعله أعمّ من السبب ، فلا يمكن أن يكون سببا ، فلا بدّ وأن يكون معصوما.
وطريق آخر (١) : لا رجس أعظم من الخطأ في الأحكام وخصوصا المتعلّقة بالعبادات ، ولا طهارة أعظم من الصيانة عن الخطأ في شيء من الأحكام أصلا والبتة ، والصيانة إنّما تكون بالمعصوم.
وطريق آخر : امتثال أمر الله تعالى وأمر النبيّ وأمر الإمام طريق التطهير ، وهو ظاهر ؛ لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) ، جعل أمر الإمام ثالث أمر الله تعالى ، فلو لم يكن معصوما لجاز منه الخطأ في حكمه ، فلا يكون امتثال أمره مطهّرا ، ولا يصلح أن يجعل في ثالث مرتبة أمر الله وأمر الرسول ، بل هو مساو من حيث الصواب ، وإنّما يتأخّر بالشرف و [الذات] (٣) ، والمراد إنّما هو من حيث الصواب ، وهو المطلوب.
__________________
(١) في «أ» زيادة : (ارتد) بعد : (آخر) ، وفي «ب» زيادة : (أرثد). ولم نتبيّن لهما معنى مناسبا ، والظاهر (أرشد).
(٢) النساء : ٥٩.
(٣) في «أ» : (اللذّات) ، وما أثبتناه من «ب».