وقال بعضهم : القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع ، والقدر عبارة عن وجودها في موادّها الخارجية أو بعد حصول شرائطها متّصلة واحدا بعد واحد ، قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١). والجواهر العقلية توجد في القضاء والقدر مرّة واحدة باعتبارين ، والجسمانية وما معها موجودة فيهما مرّتين.
واحتجّ من قرأ بكسر اللام بوجوه (٢) :
أحدها : أنّه لا يليق بالملائكة تعليم السحر.
وثانيها : كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٣)؟!
وثالثها : لو أنزل ملكان ، إمّا أن [يجعلهما] (٤) في صورة رجلين ، أو لا.
فإن كان الأوّل مع أنّهما ليسا برجلين لكان ذلك تخيّلا وتلبيسا ، وذلك غير جائز. ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون كلّ واحد من الناس الذين نشاهدهم لا يكون في الحقيقة إنسانا ، بل ملكا من الملائكة؟
وإن كان الثاني فهو باطل ؛ لقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (٥).
وفي هذه الوجوه كلام يليق بعلم الكلام ذكرناه في (النهاية) ، فلا نطوّل بذكره هنا.
الثاني (٦) : أنّ قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) (٧) موضعه جرّ عطفا على
__________________
(١) الحجر : ٢١.
(٢) انظر : التفسير الكبير ٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩.
(٣) الأنعام : ٨.
(٤) في «أ» : (يجعلها) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) الأنعام : ٩.
(٦) انظر : مجمع البيان ١ : ٣٣٦. التفسير الكبير ٣ : ٢١٧ ـ ٢١٨.
(٧) البقرة : ١٠٢.