الثالث والتسعون : استدلّ الأصوليون (١) على عصمته بقوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) (٢) ، إن حرم ترك اتّباع سبيلهم في شيء ما [فيلزم] (٣) وجوب اتّباع سبيلهم في كلّ الأشياء ، والسبيل هو أقوالهم وأفعالهم وتروكهم ، فيلزم أن يكون ذلك كلّه حقّا ؛ لأنّه لو لم يكن حقّا لم يوجب الله عزّ وعلا اتّباعه وتوعّده على تركه بالنار والعذاب (٤) ، ولا نعني بالعصمة إلّا ذلك.
[إذا تقرّر ذلك فنقول : الله أمر جميع المكلّفين ـ النبيّ وغيره ـ بطاعته ، وأمر من عدا النبيّ] (٥) بطاعة النبيّ عليهالسلام ، وأمر من عدا الإمام بطاعة الإمام ، ثمّ جعل طاعة الإمام مساوية لكلّ واحدة من الطاعتين ؛ لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٦) ، فعطف (أُولِي الْأَمْرِ) على (الرَّسُولَ) ، وصيغة الطاعة لهما واحدة ، وهذا صريح في تساوي وجوب طاعتهما ، فيجب اتّباع الإمام على الأمّة كافّة ، فيلزم أن يكون سبيله حقّا ، أي أقواله وأفعاله وتروكه كلّ واحد منها حقّا ، ولا نعني بالعصمة إلّا ذلك.
الرابع والتسعون : دلّت هذه الآية (٧) وآية (٨) وجوب طاعة الإمام ومساواتها
__________________
(١) انظر : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٧ ـ ٦٠٩. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٠٥. مجمع البيان ٣ : ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٢) النساء : ١١٥.
(٣) في «أ» و «ب» : (يستلزم) ، وما أثبتناه من هامش «ب».
(٤) في «أ» زيادة : (والعذاب) بعد : (والعذاب) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٥) العبارة مشوّشة في «أ» ، وما أثبتناه من «ب».
(٦) النساء : ٥٩.
(٧) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (هود : ٢٣ ـ ٢٤). المتقدّمة في الدليل الثاني والتسعين.
(٨) (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء : ٥٩).