السابع والتسعون : ولأنّ الله ذكر عقيب قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) (١) ، ف (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) حكم لمنفرد ، وهو جنس خاصّ ، [فمن ثمّ جاز وصف المفرد بالجمع ، ومن حيث إنّه جنس خاصّ] (٢) وفاعل الذنب جنس خاصّ أيضا وصحّ وصفه بها ، فدلّ على أنّ الحدود جنس ، وليس الحكم مختصّا بالكل من حيث هو كلّ.
ولأنّه تعالى أراد أن يبيّن حكم الاقتداء ، فلو لم يكن المراد من الحدود الجنس ، بل المراد الكلّ من حيث هو كلّ ، لكان من [قبيل] (٣) جعل ما ليس بدليل دليلا ، ولكان ذكر القياس غير متّحد الوسط ، وهو ممتنع على الحكيم.
الثامن والتسعون : قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) إلى قوله : (لا يُظْلَمُونَ) (٤).
غاية نصب الإمام كونه لطفا للمكلّفين في تحصيل هاتين المرتبتين :
إحداهما : أن يجتنب جميع المعاصي.
وثانيتهما : أن يفعل جميع الطاعات.
ولا يتمّ ذلك إلّا بالمعصوم ؛ لأنّه لو لم يكن الإمام معصوما لساوى غيره ، فلا يندفع حاجة المكلّف به ؛ لأنّ وجه الحاجة عدم العصمة ، فإذا تحقّق في الإمام لم يصلح لدفع الحاجة.
ولأنّه لو كفى غير المعصوم لم يحتج إلى إمام ؛ لمساواة المكلّف [للإمام] (٥) ، ولاستلزامه الترجيح بلا مرجّح.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) من «ب».
(٣) في «أ» و «ب» : (قبل) ، وما أثبتناه للسياق.
(٤) البقرة : ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٥) في «أ» و «ب» : (الإمام) ، وما أثبتناه للسياق.