التاسع والتسعون : هذه الآية ـ المذكورة في الوجه المقدّم بلا فصل ـ دلّت على أنّ من فعل سوءا يجز به ، ومن فعل طاعة أثيب عليها ، فلا يخلو إمّا أن يتوقّف على إعلام المكلّف الفعل وصفته ، أو لا.
والثاني محال ، وإلّا لزم تكليف الغافل.
والأوّل إمّا أن يكون العلم بديهيا ، أو كسبيا.
والأوّل منتف بالضرورة.
فتعيّن الثاني ، فإمّا أن يكون عقليا ، أو نقليا.
والأوّل منتف عند أهل السنّة [و] (١) الجماعة (٢) ، وعندنا (٣) يوجد في بعض الأحكام ، وهو ما علم بالضرورة ، وهو نادر جدّا ، وليس من الفقه.
والثاني إمّا أن يكفي فيه الظنّ ، أو لا.
والأوّل باطل ؛ لأنّه [تعالى] (٤) ذمّ المتّبع للظنّ في مواضع (٥) ، ولقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٦).
ولأنّه لو اكتفى بالظنّ لكان ذلك الظنّ إمّا ممّن كلّف بأن يكلّف بالاجتهاد ، ويلزم منه الحرج العظيم في تكليف جميع المكلّفين بالاجتهاد في الأحكام
__________________
(١) من «ب».
(٢) انظر : كتاب أصول الدين ٢٠٥ ، اللمع في أصول الفقه : ١٢٩. ميزان الأصول ١ : ١٠٥ ـ ١٠٧. المحصول في علم أصول الفقه ١ : ١٦٧.
(٣) انظر : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٨٢٤ ـ ٨٢٦ تقريب المعارف : ١٢٠. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٥٩ ـ ٧٦٢. الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد : ٨٦
(٤) في «أ» : (قد) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) كقوله تعالى : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨). وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات : ١٢).
(٦) يونس : ٣٦.