ويندفع كلّ هذه المحذورات بكون الإمام معصوما.
الحادي والسبعون : قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا ...) (١).
أقول : الإمام إنّما وضع لإرشاد الخلق إلى معرفة الحقّ والباطل ، الباطل ليجتنبوه ، والحقّ ليرتكبوه ، فإذا لم يكن معصوما أمكن أن يرغّبهم إلى ضدّ ذلك ، ويحملهم على ذلك ، ولا يطمئنّ المكلّف ، والطمأنينة مطلوبة ؛ ولهذا ذكرها الله في مواطن كثيرة (٢) منها هذه ، ولما ذكره الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام (٣).
الثاني والسبعون : قال الله تعالى : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٤).
وجه الاستدلال من وجهين :
أحدهما : أنّ غير المعصوم يتّبع الشهوات ، وكلّ من يتّبع الشهوات يميل ميلا عظيما ؛ لأنّ قوله : (الَّذِينَ) يقتضي العموم ؛ لأنّه جمع معرّف باللّام (٥).
وكلّ من يميل ميلا عظيما لا يتّبع ، فغير المعصوم لا يتّبع ، والإمام يتّبع ، فغير المعصوم ليس بإمام بالضرورة ، وهو المطلوب.
وثانيهما : أنّ الإمام نصّب حتى لا يمكن المكلّف أن يتّبع الشهوات ويميل عن الحقّ ، ولا يمكن ذلك إلّا باطمئنان المكلّف أنّه لا يدعوه إلى الميل ، ولا يكون له وقع عند المكلّف إذا لم يمل هو ، فإنّ [من أمر بمعروف] (٦) ولم يفعله فهو
__________________
(١) النساء : ٢٩.
(٢) منها قوله تعالى : (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) (آل عمران : ١٢٦). وقوله تعالى : (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) (المائدة : ١١٣). وقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (الرعد : ٢٨).
(٣) في قوله تعالى : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة : ٢٦٠).
(٤) النساء : ٢٧.
(٥) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٦. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٦.
(٦) في «أ» : (بأمر من معروف) ، وما أثبتناه من «ب».