إذا تقرّر ذلك فنقول : نصب غير المعصوم يمكن أن يكون فيه فساد ، بل الذي شوهد ووقع من خطأ غير المعصوم من الفساد ظاهر ، والبرّ والتقوى ينافيانه ، والعصمة لا يعلمها إلّا الله تعالى ، فدلّ على أنّ الإمامة لا تكون بالاختيار ، وإنّما تكون بعلم الله تعالى.
ولا يجوز من الله تعالى نصب غير المعصوم ، فإنّه يستحيل أن يحذّر عباده من شيء ويفعله هو بهم ، هذا محال.
السادس عشر : قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).
وجه الاستدلال أن نقول : الله تعالى أمر بالتقوى أمرا مطلقا غير مشروط ، ولا يتمّ إلّا بوجود الإمام المعصوم ، وهو من فعل الله تعالى ، فتعيّن نصبه ، وإلّا لزم نقض الغرض ، وهو محال عليه تعالى.
وكلّ المقدّمات بيّنة لا تحتاج إلى برهان إلّا المقدّمة الثانية ، وهي قولنا : إنّ التقوى لا تتمّ إلّا بوجود إمام معصوم ، فإنّها مقدّمة استدلالية تحتاج إلى البيان.
فنقول : بيانها موقوف على مقدّمات :
الأولى : حقيقة التقوى ، وقد ذكر العلماء لها رسوما :
فقال بعضهم : هي الإتيان بالعبادات والاحتراز عن المحذورات (٢).
واختلف أهل هذا الرسم في أنّ اجتناب الصغائر هل هو داخل في التقوى ، أم لا؟
فقال بعضهم (٣) : يدخل كما يدخل الصغائر في الوعيد ، وتندرج تحت التحذير.
وقال بعضهم (٤) : لا يدخل ، وإلّا لم يستحقّ هذا الاسم إلّا المعصوم.
والحقّ الأوّل ؛ لأنّ الوقاية فرط الصيانة عن المؤذي.
وقيل : كلّ ذنب مؤذ سواء كان صغيرا أو كبيرا.
__________________
(١) البقرة : ٢٣١.
(٢) انظر : التفسير الكبير (الفخر الرازي) ٢ : ٢٠. و ٥ : ١٦٩.
(٣) انظر : التفسير الكبير (الفخر الرازي) ٢ : ٢٠. و ٥ : ١٦٩.
(٤) انظر : التفسير الكبير (الفخر الرازي) ٢ : ٢٠. و ٥ : ١٦٩.