واما على تعريفها الآخر فينحصر إدراكها بالعقل والّذي ينبغي ان يقال عنها انها تختلف من حيث الحجية باختلاف ذلك الإدراك .... وبهذا يتضح ان الشيعة لا يقولون بالمصالح المرسلة إلاّ ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم (١).
وهكذا نجد على هذا المستوى من البحث ان التلاقي بين الفريقين يتم في هذه المرحلة أيضا وان كان الاختلاف يتحقق أحيانا في تشخيص المصاديق.
والّذي أود ان أضيفه هنا هو أن العمل بالمصالح المرسلة امر طبيعي في حدوده الطبيعية وان الّذي يتم تطبيقه في الدولة الإسلامية مثال على ذلك ، ذلك ان المصالح المنظورة هنا هي المصالح العامة أو المصالح التي تعود إلى عموم الافراد وهي التي ينظر إليها القائلون بالمصلحة المرسلة ، ومع ذلك فإن الأمر يعود إلى الحاكم الشرعي الولي الّذي أوكلت إليه رعاية مصالح الأمة ، والحاكم بدوره عادة ما يشكل مجالس لتشخيص المصالح المذكورة.
والفرق بين هذا وما يبحث عنه في بحث المصالح المرسلة يتلخص في امرين :
الأول : إيكال الأمر إلى الولي وأهل الخبرة العملية الذين يستشيرهم وعدم الاقتصار على النظرة الفردية لهذا الفقيه أو ذاك.
الثاني : ان الأحكام القائمة على المصلحة تبقى موقتة بمقدار قيام المصلحة ولا تشكل فتوى دائمة كما هو الحال لدى الفقهاء عادة.
وقد نصّ الدستور الإسلامي على إيجاد مجلس لتشخيص المصلحة يقوم على حل الخلاف بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور كما يقوم ابتداء بتشخيص المصالح العامة وتقديم المشورة للقائد الولي في مجال إدارة شئون الأمة.
__________________
(١) أصول الفقه المقارن : ٤٨٩.