[٩] (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) ؛ أي : لو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا. لأنّهم كانوا يقولون : لو لا أنزل على محمّد ملك. وتارة يقولون : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ). (١)(لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً). (٢)(لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) : لأنزلناه في صورة رجل ـ كما كان ينزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله في أعمّ الأحوال في صورة دحية ـ لأنّهم لا يبقون على رؤية الملائكة على صورتهم. (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) ؛ أي : ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ. فإنّهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان : هذا إنسان وليس بملك. فإن قال لهم : الدليل على أنّي ملك أنّي جئت بالقرآن المعجز بأنّي ملك لا بشر ، كذّبوه كما كذّبوا محمّدا. فإذا فعلوا ذلك ، خذلوا كما هم مخذولون الآن. فهو لبس الله عليهم. ويجوز أن يراد : وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البيّنة. (٣)
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً). جواب ثان ، إن جعل الهاء للمطلوب. وإن جعلناه للرسول ، فهو جواب اقتراح. فإنّهم تارة يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ). وتارة يقولون : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً). والمعنى : ولو جعلناه قرينا لك ملكا يعاينوه أو الرسول ملكا ، لمثّلناه رجلا ، لأنّ قوّة البشريّة لا تقوى على رؤية الملك في صورته. (٤)
(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ). قال الزجّاج : كانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبيّ عليهالسلام ويقولون : إنّما هذا بشر مثلكم. فقال : لو أنزلنا ملكا فرأوا الملك رجلا ، لكان يلحقهم فيه من اللّبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم. أي : فإنّما طلبوا حال لبس لا حال بيان. وأضاف اللّبس إلى نفسه لأنّه يقع عند إنزاله الملائكة. وقيل : معناه : ولو أنزلنا ملكا ، لما عرفوه إلّا بالتفكّر ، وهم لا يتفكّرون ، فيبقون في اللّبس الذي كانوا فيه. (٥)
__________________
(١) المؤمنون (٢٣) / ٢٤.
(٢) فصّلت (٤١) / ١٤.
(٣) الكشّاف ٢ / ٧ و ٨.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٩٤.
(٥) مجمع البيان ٤ / ٤٢٩.