وتقديمها لتقدّم الأعدام على الملكات. ومن زعم أنّ الظلمة عرض يضادّ النور ، احتجّ بهذه الآية ، ولم يعلم أنّ عدم الملكة ـ كالعمى ـ ليس صرف العدم حتّى لا يتعلّق به الجعل. [(ثُمَّ الَّذِينَ). عطف على قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على معنى ... أو على قوله : (خَلَقَ) على معنى ....](بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). تنبيه على أنّه خلق هذه الأشياء أسبابا لتكوّنهم وتعيّشهم ، فمن حقّه أن يحمد عليها ولا يكفر. والباء على الأوّل ، وهو أن يعطف (ثُمَّ الَّذِينَ) على (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، متعلّقة بكفروا وصلة يعدلون محذوفة ، أي : يعدلون عنه ، ليقع الإنكار على نفس الفعل. وعلى الثاني ، وهو عطفه على قوله : (خَلَقَ) ، متعلّقة بيعدلون. والمعنى : انّ الكفّار يعدلون بربّهم الأوثان ؛ أي : يسوّونها به. (١)
عن الصادق عليهالسلام : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ردّ على الدهريّة الذين قالوا : إنّ الأشياء لا بدء لها وهي قائمة. (٢)
(وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). جعل يتعدّى إلى مفعول واحد ، إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ ـ كقوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ـ وإلى مفعولين ، إذا كان بمعنى صيّر. والفرق بين الخلق والجعل أنّ الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التضمين ؛ كإنشاء شيء من شيء ، أو تصيير شيء شيئا ، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن ذلك : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها). (٣)(وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). لأنّ الظلمات من الأجرام المتكاثفة والنور من النار. وأمّا إفراد النور للقصد إلى الجنس ، أو لأنّ الظلمات كثيرة. لأنّه ما من جنس من أجناس الأجرام إلّا وله ظلّ وظلّه هو الظلمة ، بخلاف النور ؛ فإنّه من جنس واحد وهو النار. وقوله : (ثُمَّ الَّذِينَ) معطوف إمّا على قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، على معنى أنّ الله حقيق بالحمد على ما خلق ـ لأنّه ما خلقه إلّا نعمة ـ ثمّ الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته ، وإمّا على قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ) على معنى أنّه خلق ما خلق ممّا لا يقدر عليه أحد سواه ، ثمّ هم يعدلون به ما
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٩٢.
(٢) الاحتجاج ١ / ١٤ ـ ٢٥.
(٣) الأعراف (٧) / ١٨٩.