لم يكن إنسانا ولا حيوانا ولا دنيا ولا آخرة ؛ لقوله : (لو لاك لما خلقت الأفلاك) وقوله سبحانه لآدم : (لو لا شخصان أريد أن أخلقهما منك ، لما خلقتك.) ومعنى آخر وهو أنّهما والدان في العلم والهدى والدين الذي هو سبب حياة الإنسان والوالد يغذّي بالثدي والشراب والطعام وهما يغذّيان الإنسان بالعلم والبيان. (١)
(وَفِصالُهُ) ؛ أي : فطامه من الرضاع في انقضاء عامين. لأنّ العامين جملة مدّة الرضاع. فهو قوله : (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ـ اه. (٢) والمراد أنّها بعد ما تلد ترضعه عامين وتربّيه فليحقها المشقّة بذلك أيضا. (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ). هذا تفسير قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ). أي : وصّيناه بشكرنا وشكر والديه. فشكر الله سبحانه بالحمد والطاعة ، وشكر الوالدين بالبرّ والصلة. (إِلَيَّ الْمَصِيرُ). فيه تهديد. أي : مرجعكم إليّ فأجازيكم على حسب أعمالكم. (٣)
(وَهْناً عَلى وَهْنٍ) ؛ أي : تهن وهنا على وهن. وهو في موضع الحال. أي : تضعف ضعفا فوق ضعف. (٤)
[١٥] (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥))
(وَإِنْ جاهَداكَ) أيّها الإنسان (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) معبودا آخر ، فلا تطعهما. وهو قوله : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ). لأنّ ما يكون حقّا يعلم صحّته فما لا يعلم صحّته فهو باطل. فكأنّه قال : فإن دعواك إلى باطل ، (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك. (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا) ؛ أي : في أمور الدنيا ، وأحسن إليهما وارفق بهما. (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ) ؛ أي : اسلك طريقة من رجع إلى طاعتي وأقبل إليّ بقلبه وهو النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنون. (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) : [مرجعك] ومرجعهما. (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما. والآيتان معترضتان في
__________________
(١) تأويل الآيات ١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨.
(٢) البقرة (٢) / ٢٣٣.
(٣) مجمع البيان ٨ / ٤٩٥.
(٤) الكشّاف ٣ / ٤٩٤.