تضاعيف وصيّة لقمان تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك. فكأنّه قال : وقد وصّينا بمثل ما وصّى به. وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك. فإنّهما مع أنّهما تلو البارئ في استحقاق التعظيم والطاعة ، لا يجوز أن يستحقّاه في الإشراك ، فما ظنّك بغيرهما! (١)
[١٦] (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦))
(إِنَّها إِنْ تَكُ) ؛ أي : إنّ الخصلة من الإساءة أو الإحسان [إن] تك مثلا في الصغر كحبّة خردل. ورفع نافع (مِثْقالَ) على أنّ الهاء ضمير القصّة وكان تامّة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبّة ، أو لأنّ المراد به الحسنة أو السيّئة. (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أي : في أخفي مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض. (يَأْتِ بِهَا اللهُ) ؛ أي : يحضرها فيحاسب عليها. (لَطِيفٌ) يصل علمه إلى كلّ خفيّ (خَبِيرٌ) عالم بكنهه. (٢)
(مِثْقالَ). قرأ أهل المدينة : «مثقال» بالرفع والباقون بالنصب. (٣)
[١٧] (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧))
(أَقِمِ الصَّلاةَ) المفروضة في ميقاتها بشروطها. (بِالْمَعْرُوفِ). وهو الطاعة. (عَنِ الْمُنْكَرِ). وهو كلّ قبيح سواء كان من القبائح العقليّة أو الشرعيّة. (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من المشقّة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عن عليّ عليهالسلام. وقيل : ما أصابك من شدائد الدنيا ومكارهها. (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ؛ أي : من العقد الصحيح على فعل الحسن بدلا من القبيح. والعزم : الإرادة المتقدّمة للفعل بأكثر من وقت. وهو العقد على الأمر لتوطين النفس على فعله. والتلوّن في الرأي يناقض العزم. وقيل : معناه : انّ ذلك من الأمور التي يجب
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٤٩٥ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٢٨.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(٣) مجمع البيان ٨ / ٤٩٨.