الكلام دليلا عليه. (إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ أي : ما خلقها باطلا وعبثا بغير غرض صحيح وحكمة بالغة ، ولا لتبقى خالدة. وإنّما خلقها مقرونة بالحقّ وبتقدير أجل مسمّى لا بدّ لها من أن تنتهي إليه وهو قيام الساعة. والباء في قوله : (إِلَّا بِالْحَقِّ) للملابسة والمعيّة. فإن قلت : إذا جعلت في أنفسهم صلة للتفكّر ، فما معناه؟ قلت : معناه : أو لم يتفكّروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات ـ وهم أعلم وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها ـ فيتدبّروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالّة على التدبير دون الإهمال وأنّه لا بدّ لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكيم حتّى يعلموا عند ذلك أنّ سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير وأنّه لا بدّ لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت. (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ). أي إلى الأجل المسمّى. (١)
[٩] (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩))
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا). تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمّرين من عاد وثمود وغيرهم. ثمّ أخذ يصف لهم أحوالهم وأنّهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) ؛ أي : حرثوا. وسمّي ثورا لإثارته الأرض وبقرا لأنّها تبقرها ؛ أي : تشقّها. (وَعَمَرُوها). يعني أولئك المدمّرون. (مِمَّا عَمَرُوها) : من عمارة أهل مكّة ، وأهل مكّة أهل واد غير ذي زرع ما لهم إثارة الأرض ولا عمارة لها. فما هو إلّا تهكّم بهم. (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ؛ أي : ما كان تدميره إيّاهم ظلما. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عملوا ما يوجب تدميرهم. (٢)
(أَثارُوا الْأَرْضَ) أي : قلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها. (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها). يعني أهل مكّة. فإنّهم أهل واد غير ذي زرع. وهو تهكّم بهم
__________________
(١) الكشّاف ٣ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.
(٢) الكشّاف ٣ / ٤٦٩.