قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي احفظوا منّة الله عليكم إذ كنتم أعداء في الجاهليّة ، يقتل بعضكم بعضا ، فجمع الله بين قلوبكم بالإسلام المحرّم للأنفس والأموال إلّا بحقّها ، فصرتم بنعمة الله إخوانا في الدّين.
قال محمّد بن اسحق : (كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأمّ ، فوقعت بينهم عداوة بسبب سمير وحاطب ، وذلك أنّ سمير بن زيد أحد بني عمرو بن عوف قتل خليطا لمالك بن العجلان الخزرجيّ يقال له حاطب بن الحرث ؛ فوقع الحرب بين القبيلتين ؛ فتطاولت بينهم تلك العداوة مائة وعشرون سنة ، ولم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب مثل ما كان بينهم. واتّصلت تلك العداوة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام ، وألّف بينهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا بعث وظهر بمكّة آمن به الأوس والخزرج وهم بالمدينة ، فلمّا هاجر إليهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقعت الألفة بينهم وزالت العداوة من قلوبهم وقد كادوا يتفانون ، وقد كان سبب ألفتهم ما روي أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج بالموسم وهو بمكّة يعرض نفسه على قبائل العرب ، فبينما هو عند العقبة إذ لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا ؛ وهم ستّة نفر : أسعد بن زرارة ؛ وعوف بن عفراء ؛ ورافع بن مالك ؛ وقطبة بن عامر ؛ وعقبة بن عامر ؛ وجابر بن عبد الله ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من أنتم؟] فقالوا : نفر من الخزرج ، فقال : [أفلا تجلسون حتّى أكلّمكم؟] قالوا : بلى ؛ فجلسوا ؛ فدعاهم إلى الله عزوجل فعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. وكان معهم بالمدينة يهود أهل كتاب ذكروا لهم أنّ نبيّا مبعوثا قد دنا زمانه ، فلمّا كلّمهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعاهم إلى الله عزوجل ، قال بعضهم لبعض : هذا والله النّبيّ الّذي ذكره اليهود ؛ فلا يسبقنّكم إليه أحد ، فأجابوه وصدّقوه وأسلموا ؛ وقالوا : يا رسول الله ؛ إنّ معنا قوما بينهم من العداوة والشّرّ ما بينهم ، وعسى الله أن يجمع كلمتهم بك ؛ فأقدم إليهم وادعوهم إلى أمرك ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك ، ثمّ انصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد أسلموا ، فلمّا وصلوا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعوهم إلى الإسلام حتّى
__________________
ـ الميس على شرح النووي لصحيح مسلم ، أنه قد سقطت منه الثالثة [وأن تناصحوا من ولّى الله أمركم] وهي عند البيهقي في السنن الكبرى ؛ وقال : «أخرجه مسلم».