لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين (١) ، ويجوز أن يكون المراد بالأمّة العلماء في هذه الآية الذين يحسنون ما يدعون إليه.
وذهب بعض المفسّرين الى أنّ المعنى : ولتكونوا كلّكم ، لكن (من) هنا دخلت للتوكيد وتخصيص المخاطبين من سائر الأجناس كما في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٢) أي فاجتنبوا الأوثان فإنّها رجس ؛ لا أنّ المراد : فاجتنبوا بعض الأوثان دون بعض ، واللام في (وَلْتَكُنْ) لام الأمر.
وقوله : (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) أي إلى الإسلام ، ثم النهي عن المنكر على مراتب ؛ أوّلها : الوعظ والتّخويف ، فإن زال بذلك لم يجز للناهي أن يتعدّى عنه إلى غيره ما فوقه ، ثم بالإيذاء والنّعال ، ثم بالسّوط ، ثم بالسّلاح والقتال ؛ لأن المقصود زوال المنكر.
فأمّا إذا كان النّاهي عن المنكر خائفا على نفسه ، فقد قال صلىاللهعليهوسلم : [من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ؛ وذلك أضعف الإيمان](٣). وقال صلىاللهعليهوسلم : [من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه ؛ وخليفة رسوله ؛ وخليفة كتابه](٤). وقال صلىاللهعليهوسلم : [أؤمروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كلّه ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كلّه](٥).
__________________
(١) يريد أذا أقامه البعض فأنجزه عملا وحقق هدفه سقط عن الباقين ؛ وإلا فهو مطلوب مراد على سبيل التحقيق والإنجاز ، فيجب على المخاطبين المبادرة إلى إنجازه وتحقيقه.
(٢) الحج / ٣٠.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٥٤ و٢٠ و٤٩. ومسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان : الحديث (٤٩ / ٧٨). وأبو داود في السنن : كتاب الصلاة : باب الخطبة يوم العيد : الحديث (١١٤٠) ، وإسناده صحيح.
(٤) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : النص (٥٨٣٤) عن ثوبان. وابن عدي في الكامل : ج ٧ ص ٢٣٠ : الترجمة (١٨ / ١٦١٦) وضعّفه ب (كادح بن رحمة العرني).
(٥) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٧ ص ٣٢٩ : الحديث (٦٦٢٤) ، وأوله : [لا تأمر بالمعروف حتّى تعمل به]. في مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٢٧٧ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني في الصغير ـ