تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) أي إلّا أن يعتصموا بعهد الله وهو الإسلام. وقوله : (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي عهد وأمان وعقد ذمّة المسلمين عليهم ؛ يؤدّون إليهم الخراج ليؤمّنوهم. وفي الآية اختصار ؛ تقديره : إلّا أن يعتصموا بحبل من الله.
قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) ؛ أي انصرفوا بغضب ؛ أي استوجبوه من الله عزوجل. قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) ؛ أي جعل عليهم زيّ الفقر والبؤس حتّى صاروا من الذّلّة إلى ما لا يبلغه أهل ملّة بعد أن كانوا ذوي عزّ ويسار ومنعة ، فترى الرجل منهم عليه البؤس والمسكنة وأنه لغنيّ ، ولم يبق لليهود منعة في موضع من المواضع.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)) ؛ أي ذلك الذّلّ والغضب عليهم من الله بكفرهم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ورضاهم بقتل الأنبياء بغير حقّ وعصيانهم ومجاوزاتهم الحدّ.
قوله عزوجل : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)) ؛ قال ابن عبّاس ومقاتل : (لمّا أسلم عبد الله ابن سلام ؛ وثعلبة بن سعية (١) ؛ وأسيد بن سعية ؛ وأسد بن عبيد (٢) ومن أسلم من اليهود ؛ قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمّد إلّا أشرارنا ، لو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم ، ثمّ قالوا لهم : قد خسرتم حين استبدلتم دينكم بدين غيره. فأنزل الله هذه الآية) (٣).
وقيل : لمّا ذكر الله في الآيات المتقدّمة من آمن من أهل الكتاب ، ومن لم يؤمن. قال عزوجل : (لَيْسُوا سَواءً) أي ليس الفريقان سواء ، وهذا وقف تامّ ، ثم استأنف
__________________
(١) في المخطوط : (شعبة).
(٢) اشتبه على الناسخ الاسمين فجعلهما اسما واحدا ، فكتب : (وأسيد بن عبيد) ، والصحيح كما أثبتناه.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٠٤٤). وفي الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٩٧ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن إسحق وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل وابن عساكر ، عن ابن عباس». وفي السيرة النبوية لابن هشام : ج ٢ ص ٢٠٦.