قوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) أي عادلة مستقيمة مهتدية. وقال الأخفش : (ذو أمّة قائمة ؛ أي ذي طريقة قائمة) ، قال : (والأمّة الطّريقة).
ومعنى قوله : (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ) يعني يقرأون القرآن في ساعات اللّيل ، (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) أي وهم يصلّون ؛ لأنّ القرآن لا يكون في السجود ، نظيره قوله تعالى : (وَلَهُ يَسْجُدُونَ)(١) أي يصلّون ، وقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ)(٢) أي صلّوا. وإنّما ذكرت الصلوات باسم السجود ؛ لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع. قال ابن مسعود رضي الله عنه : (أراد به صلاة العتمة) (٣). وقيل : أراد به ما بين المغرب والعشاء. واختلف النّحاة في واحد الأنا ؛ قال بعضهم : أناء مثل معاء وأمعاء. وقال بعضهم : إنّي مثل نحى وأنحى.
وقال بعض المفسّرين : في الآية اختصار وحذف ؛ تقديره : من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، وترك الأخرى اكتفاء بذكر أحد الفريقين ؛ قالوا : وهذا فعل مجموع مقدّم كقولهم : أكلوني البراغيث ، وذهبوا أصحابك. وقال آخرون : تمام الكلام عند قوله (لَيْسُوا سَواءً) يعني المؤمنين والفاسقين ؛ لأن ذكر الفريقين قد جرى في قوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ). ثم وصف الفاسقين فقال : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) ، ووصف المؤمنين فقال (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) الآية.
قوله عزوجل : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ؛ قال ابن عباس : (لمّا أسلم عبد الله بن سلام ومن معه ؛ قالت اليهود : ما آمن بمحمّد إلّا أشرارنا ، فأنزل الله هذه الآية ؛ إلّا أنّها وإن نزلت فيهم فمن حقّ كلّ مسلم أن يكون على هذه الصّفة). ومعنى الآية : يصدّقون بالله وبالبعث بعد الموت. (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ؛ أي باتّباع محمّد صلىاللهعليهوسلم ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ؛ أي عن اتّباع الجبت والطّاغوت ومخالفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) الأعراف / ٢٠٦.
(٢) الفرقان / ٦٠.
(٣) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٩٧ ؛ قال السيوطي : «أخرجه الفريابي والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم».