وصف عرضها ، فأمّا طولها فلا يعلمه إلّا الله). وهذا مثل قوله تعالى : (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)(١) فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأنفس من البطائن.
وقال بعض المفسّرين : ليس المراد بهذه الآية التقدير ، لكنّ المراد بها أوسع شيء رأيتموه. قال إسماعيل السّدّيّ : (لو كسّرت السّموات والأرض وصرن خردلا كان بكلّ خردلة لله تعالى عرضها السّموات والأرض).
قوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)) ؛ أي خلقت للمتقين الشّرك والمعاصي ، فإن قيل : إذا كانت الجنّة عرضها السّموات والأرض ، فأين النار؟ قيل : إن الله خلق الجنة عالية ، والنار سافلة ، والشيئان إذا كان أحدهما عاليا والآخر سافلا لا يمتنعان ؛ لأنّهما يوجدان في مكانين متغايرين. وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن هذا السّؤال فقال : [سبحان الله! إذا جاء النّهار فأين اللّيل](٢).
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ؛ أول هذه الآية نعت للمتقين ، ومعناها : الذين يتصدّقون في حال اليسر والعسر والضرّاء والشدّة والرخاء ، يعني أنّهم ينفقون على الدّوام لا يمنعهم قلة المال ولا كثرته عن الإنفاق ، فأول ما ذكر الله من أخلاق المتقين الموجبة لهم الجنة : السّخاء ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : [الجنّة دار الأسخياء ، والسّخيّ قريب من الله ؛ قريب من الجنّة ؛ بعيد من النّار ، والبخيل بعيد من الله ؛ بعيد من الجنّة ؛ قريب من النّار. والجاهل السّخيّ أحبّ إلى الله من العالم البخيل](٣).
قوله تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي الكافين غيظهم عن إمضائه ، يردّون غيظهم في أجوافهم ويصبرون ، والكظم : الحبس والشّدّ ، يقال : كظمت القربة ؛ إذا
__________________
(١) الرحمن / ٥٤.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٦٢١١).
(٣) في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين : ج ٤ ص ١٩٢١ : الحديث (٣٠٤٢) ؛ قال العراقي : «رواه ابن عدي والدارقطني في المستجاد الخرائطي ؛ قال الدارقطني : لا يصح ، ومن طريقه روى ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال الذهبي : حديث منكر».