ملأتها ثمّ شددت رأسها على الإمتلاء. والغيظ : هو انتفاض الطّبع ما يكرهه ، ولهذا لا يجوز الغيظ على الله وإن كان يجوز عليه الغضب ؛ لأنّ الغضب هو إرادة العقاب.
قوله تعالى : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) معناه : الذين يعفون عن المذنبين من الأحرار والمملوكين. وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [من كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه فلم ينفذه ؛ زوّجه الله من الحور العين حيث شاء ، وما عفا رجل عن مظلمة إلّا زاده الله بها عزّا ، ولا نقصت صدقة مالا قطّ ؛ فتصدّقوا ، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر ، وأعظم النّاس عفوا من عفا عن قدرة](١).
قوله تعالى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)) ؛ أي يثني على المحسنين إلى الناس ، ويرضى عملهم. قال عيسى عليهالسلام : ليس الأحسن أن تحسن إلى من أحسن إليك ، ذاك مكافأة! إنّما الأحسن أن تحسن إلى من أساء إليك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ أبا بكر رضي الله عنه كان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مجلس ، فجاء رجل ؛ فكان يشتم أبا بكر وهو ساكت والنّبيّ صلىاللهعليهوسلم يتبسّم ، ثمّ ردّ أبو بكر على الرّجل بعض الّذي قال ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقام ، فلحقه أبو بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ؛ شتمني وأنت تبتسم ، فلمّا رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟! فقال : صلىاللهعليهوسلم : [إنّك حين كنت ساكتا كان معك ملك يردّ عليه ، فلمّا تكلّمت وقع الشّيطان ، فلم أكن لأقعد في مقعد فيه الشّيطان](٢). وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [رأيت قصورا مشرفة على الجنّة ، فقلت : يا جبريل لمن هذه!؟ قال : للكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين].
__________________
(١) أخرج الطبري شطرا منه في جامع البيان : الحديث (٦٢٢٠). وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٥٥ : الحديث (٤١٥ ـ ٤١٧) ، وفي الأوسط : الحديث (١١١٢) ، وإسناده حسن عند الترمذي وأبي داود.
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٨ ص ١١٨ : الحديث (٧٢٣٥). في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ج ٨ ص ١٩٠ ؛ قال الهيثمي : «روى أبو داود منه ، ورواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه ، ورجال أحمد رجال الصحيح».