قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ؛ متصل بقوله (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ). قال ابن مسعود رضي الله عنه : قال المسلمون : يا رسول الله ؛ كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منّا ، كان أحدهم إذا أذنب ذنبا أصبحت كفّارة ذنبه مكتوبة على بابه : إجدع أنفك ؛ إجدع أذنك ؛ إفعل كذا إفعل كذا. فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فأنزل الله هذه الآية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ألا أخبركم بخير من ذلك] وقرأ عليهم هذه الآيات) (١). وقال عطاء : (نزلت في أبي مقبل التّمّار ؛ أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا ، فقال : إنّ هذا التّمر ليس بجيّد وفي البيت أجود منه ، فهل لك فيه؟ فقالت : نعم ، فذهب بها إلى بيته وضمّها وقبّلها ، فقالت له : اتّق الله سبحانه ، فتركها وندم على ذلك ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك ؛ فنزلت هذه الآية) (٢).
وقال ابن عبّاس ومقاتل والكلبيّ : (آخا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين رجلين ؛ أحدهما من الأنصار ؛ والآخر من ثقيف ، فخرج الثّقفيّ في غزاة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم واستخلف الأنصاريّ على أهله ، فاشترى لهم لحما ذات يوم ، فلمّا أرادت المرأة أن تأخذ منه ؛ دخل على إثرها ، فدخلت بيتا فتبعها ، فاتّقته بيديها ، فقبّل ظاهر كفّها ، ثمّ ندم واستحيا ؛ فانصرف ، فقالت له : والله ما حفظت غيبة أخيك ؛ ولا والله تنال حاجتك. فخرج الأنصاريّ ووضع التّراب على رأسه ، وهام على وجهه يسيح في الجبال ويتعبّد ، فلمّا رجع المسلمون من غزاهم لم ير الثّقفيّ أخاه ، فسأل امرأته فقالت : لا كثّر الله في الإخوان مثله ، وأخبرته فعله ، فخرج الثّقفيّ في طلبه ، فسأل عنه الرّعاء في الجبال والفيافي حتّى دلّ عليه ، فوافاه ساجدا وهو يقول : رب ذنبي ذنبي ، فقال : يا فلان ؛ قم فانطلق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلّ الله أن يجعل لك مخرجا. فأقبل معه حتّى قدم المدينة ، فسأل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : لا توبة لك ، أما تعلم أنّ الله يغار
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٣٢٦ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن المنذر». وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٢٢٨) بلفظه.
(٢) أبو مقبل التمّار هو نبهان ، وكنيته أبو مقبل ، ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢٠٩ ؛ وقال : «قال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في نبهان».