الباقون بفتح القاف وهي قراءة عائشة رضي الله عنها ، وهما لغتان مثل الجهد والجهد ، وقال بعضهم : (القرح) بفتح القاف : الجراحات واحدتها قرحة ، و (القرح) بالضمّ وجع ، يقال : قرح الرجل إذا وجع.
قوله عزوجل : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ؛ أي تارة لهم وتارة عليهم ، وأدال (١) المسلمون على المشركين يوم بدر ، حتى قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين ، وأدال المشركون يوم أحد ، حتى جرحوا سبعين وقتلوا خمسة وسبعين (٢). قال أنس بن مالك رضي الله عنه : (أتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعليّ رضي الله عنه يومئذ ، وعليه نيّف وستّون جراحة من طعنة وضربة ورمية ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسحها بيده وهي تلتئم بإذن الله فكأنّها لم تكن) (٣).
قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ بيّن الله عزوجل المعنى الذي لأجله يداول الأيّام بين المؤمنين والكفّار ، فقال (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) معناه : ليرى من يقيم على الإيمان ممّن لا يقيم ؛ فيظهر المؤمن المخلص ؛ والذي في قلبه مرض. وقال الزجّاج : (معناه : ليعلم الله علم مشاهدة بعد ما كان علمه علم الغيب ؛ لأنّ العلم الّذي علمه الله قبل وقوع الشّيء لا يجب به المجازاة ما لم يقع). وأما الواو في قوله : (وَلِيَعْلَمَ) :) واو العطف على خبر محذوف ؛ تقديره : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) بضروب من التّدبير ، (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) المؤمنين متميّزين من المنافقين.
وقوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ؛ أي يكرمهم بالشّهادة ، وقال بعضهم : معناه : ويجعلكم شهداء على الناس على معاصيهم لإجلالكم وتعظيمكم ، ثم قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)) ؛ أي لا يفعل الله ذلك لحب الظالمين ، فإنه لا يحبّ الظالمين ، وفي هذا بيان أنّ الله لا ينصر الكافرين على المسلمين ، إذ النّصرة تدلّ على المحبّة ، والله لا يحبّ الكفّار ، ولكن قد ينصر المسلمين في بعض الأوقات على الكفّار ، وفي بعض الأوقات يكل المسلمين إلى حولهم وقوّتهم لذنب
__________________
(١) في المخطوط : (إذ بل) وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.
(٢) ينظر : الطبري في جامع البيان : تفسير الآية : النص (٦٢٧٠ و٦٢٧١).
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢١٩ ؛ ذكره القرطبي من غير إسناد.