كان حصل منهم ، وإنّما جعل الله الدّنيا متقلبة لئلّا يطمئنّ المسلمون إليها لتقلّبها ، ولكنهم يسعون للآخرة الّتي يكون نعيمها إلى الأبد.
قوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ معطوف على قوله (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ؛ ومعناه : ويطهّر الذين آمنوا من ذنوبهم ، يقال : محّصت الشّيء أمحّصه محصا ؛ إذا أخلصته من العيب ، ومحص الجمل (١) يمحص محصا إذا ذهب عنه الوبر لكدّ العمل فصار أملس. قوله تعالى : (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)) ؛ أي يعنّيهم ويهلكهم وينقصهم ؛ لأنّهم يحتربون فيخرجوا للحرب مرّة أخرى فيستأصلهم ، وهذا تأويل مداولة الأيّام.
قوله عزوجل : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)) ؛ معناه : أظننتم يا معشر المؤمنين (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) جهاد المجاهدين ولا صبر الصابرين واقعا فيهم مشاهدة ، وهذا استفهام بمعنى الإنكار لظنّهم وحسبانهم. قوله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) أي ولم يعلم الله ، يقول الرجل لما يفعل معناه : لم يفعل ؛ انضمّ إليه حرف (ما) ، وقرأ الحسن (ويعلم الصّابرين) بالكسر عطفا على قوله (وَلَمَّا يَعْلَمِ) وأما قراءة النّصب فهو نصب على الظرف ؛ يعني على صرف آخر الكلام عن أوّله على تقدير : وأن يعلم الصابرين ، وهو قول الكوفيّين. وأمّا البصريّون فيسمّونه نصبا على الجمع. قال الشاعر (٢) :
لا تنه عن خلق وتأتى مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
أي لا يكن منك النّهي عن خلق مع إتيان مثله ، ويقال : لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن ؛ أي لا يكون منك الجمع بينهما.
__________________
(١) في المخطوط : (الجهل) ، والصحيح كما أثبتناه. وفي رواية الزجاج : «محص الحبل محصا ؛ إذا انقطع وبره». نقلها القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢٢٠. ورواها النقاش : «محص الحمل ؛ إذا ذهب وبره وأملس» ، نقلها ابن عادل في اللباب : ج ٥ ص ٥٦٠ ، والمعنيان واضحان.
(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمرو (١ ق. ه ـ ٦٩ ه).