(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨)) ؛ أي المجاهدين. وفي الآية دلالة : أنه قد يجوز اجتماع الدّنيا والآخرة لواحد ، وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال : (من عمل لدنياه أضرّ بآخرته ، ومن عمل لآخرته أضرّ بدنياه ، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام) (١).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ يعني اليهود والنصارى فيما يقولون لكم أنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم لو كان حقّا لما ظهر عليه المشركون ، (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ؛ أي دين الشّرك ، (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩)) ؛ أي فترجعوا مغبونين إلى دينكم الأوّل ؛ (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) ؛ أي وليّكم وناصركم ، (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)) ؛ المانعين من الكفّار ، لأنّ أحدا لا يقدر أن ينصر كنصره ، ولا أن يدفع كدفاعه. وقرئ في الشواذّ : (بل الله) بالنصب على معنى : بل أطيعوا الله.
قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) ؛ قال السّدّيّ : (ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجّهين نحو مكّة ، فلمّا بلغوا بعض الطّريق ندموا ؛ وقالوا : بئس ما صنعنا ؛ قتلناهم حتّى لم يبق منهم إلّا اليسير ثمّ تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم. فلمّا عزموا على ذلك ؛ ألقى الله الرّعب في قلوبهم حتّى رجعوا عمّا همّوا به ـ وستأتي هذه القصة بتمامها إن شاء الله تعالى ـ فأنزل الله هذه الآية) (٢).
وقرأ أبو أيّوب : (سيلقي) بالياء يعني (الله مولاكم). وقرأ الباقون بالنّون على التّعظيم ؛ أي سنقذف في قلوب الذين كفروا الخوف ، وثقّل (الرّعب) ابن عامر والكسائيّ ، وخفّفه الآخرون. قوله تعالى : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) بإشراكهم بالله ما لم ينزّل به كتابا فيه عذر وحجّة لهم. وقيل : معنى قوله (سُلْطاناً) أي حجّة وبيانا وبرهانا.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف : من حديث سعيد بن جبير : ج ٧ ص ٢٠١ : النص (٣٥٢٦٢).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٣٥٥).