قوله تعالى : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ؛ معنى : من الرّماة من يريد الحياة؟ وهم الذين تركوا المركز ولم يثبتوا فيه ووقعوا في الغنائم ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يعني : الذين ثبتوا في المركز مع عبد الله بن جبير وباقي الرّماة حتّى قتلوا. قال ابن مسعود رضي الله عنه : (ما شعرنا أنّ أحدا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد الدّنيا وعرضها حتّى كان يوم أحد) (١).
قوله تعالى : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) ؛ أي صرفكم الله عن المشركين بالهزيمة ليبتليكم ، قيل : المراد بالصّرف في هذه المواضع رفع النّصر. قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) ؛ أي لم يعاقبكم عند ذلك فلم تقتلوا جميعا. وقال الكلبيّ : (تجاوز عنكم فلم يؤاخذكم بذنبكم) ، (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)) ؛ أي ذو منّ عليهم بالعفو والتّجاوز.
قوله تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) ؛ راجع إلى قوله (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) لأنّ عفوه عنهم لا بدّ أن يتعلّق بذنب منهم ؛ وذلك الذنب ما بيّنه بقوله (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) أي ولقد عفا عنكم (إِذْ تُصْعِدُونَ) أي إذ تبعدون هربا في الأرض بالهزيمة. والإصعاد : السّير في مستوى الأرض.
وقرأ الحسن وقتادة : (تصعدون) بفتح التاء والعين (٢). قال أبو حاتم : يقال : أصعدت ؛ إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت ؛ إذا رقيت على جبل أو غيره. والإصعاد : السّير في مستوى الأرض وبطون الأودية والشّعاب. والصّعود : الارتفاع على الجبل والسّطوح والسّلالم والمدرج ، وكلا القراءتين صواب. وقد كان يومئذ منهم
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٣٨٥ و٦٣٨٦). وفي الدر المنثور : ج ٢ ص ٣٤٩ ؛ قال السيوطي : «أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي في السنن بسند صحيح». أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٢ ص ٢٣٧ : الحديث (١٤٢١).
(٢) ذكرها الطبري في جامع البيان : تفسير الآية : بصيغة التحريض.