صاعد مصعد ؛ أي صاعد إلى الجبل ، ومصعد هارب على وجهه ، والرّسول يدعوهم : [إليّ يا معشر المسلمين ؛ ويا أصحاب البقرة وآل عمران أنا رسول الله](١) فلم يلتفت إليه منهم أحد حتّى أتوا على الجبل. ويحتمل أنّهم ذهبوا في بطن الوادي أوّلا ؛ ثمّ صعدوا الجبل ، فلا تنافي حينئذ بين القرائتين.
قوله تعالى : (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) أي لا تعرّجون ولا تقيمون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يقيم بعضكم على بعض ولا يلتفت بعضكم إلى بعض. وقرأ الحسن : (ولا تلون) بواو واحدة ، كما يقال : استحيت واستحييت. قال الكلبيّ : (يعني بقوله (عَلى أَحَدٍ) النّبيّ صلىاللهعليهوسلم). قوله تعالى : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) أي من خلفكم ، وذلك أنّه لمّا انهزم المسلمون لم يبق مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا ثلاثة عشر رجلا ، خمسة من المهاجرين : أبو بكر ؛ وعليّ ؛ وعبد الرّحمن بن عوف ؛ وطلحة بن عبد الله ؛ وسعد ، وثمانية من الأنصار.
قوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) أي جزاكم غمّا متّصلا بغمّ ؛ فأحد الغمّين الهزيمة وقتل أصحابهم ، والثّاني : إشراف خالد في فم الشّعب مع خيل المشركين. وقيل : الغمّ الأوّل : هو القتل والجراح ، والثاني : سماعهم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قتل ؛ فأساءهم الغمّ الأوّل بقوله (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) أي إذ أنالكم غمّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم نلتم به كل غمّ من فوت الغنيمة والهزيمة. وقيل : معناه : من ترادفت عليه الغموم واعتاد في ذلك يقلّ حزنه وتأسّفه على ما يفوته من الدّنيا.
وقال الزجّاج : (معنى قوله (غَمًّا بِغَمٍّ) أي جزاكم غمّا بما غممتم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بمفارقة المكان الذي أمركم بحفظه). وقال الحسن : (معنى هذا الغمّ بغمّ المشركين يوم بدر). ويقال : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) متّصل بقوله (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) ، وقيل : معناه : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) بمعنى الغنيمة والفتح. (لا ما أَصابَكُمْ) : (ما) في موضع خفض ؛ أي ولا ما أصابكم من القتل والهزيمة. وقال بعضهم : (لا)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٣٩٨) بلفظ : [إليّ عباد الله].