لتقتدي به الأمّة ، وليكون فيه تطييب لنفوس المؤمنين ، ورفع لأقدارهم وثناء عليهم (١). قال مقاتل وقتادة : (كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شقّ عليهم ، فأمر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بمشاورتهم في الأمر ؛ فإنّه أطيب لأنفسهم ، وإذا شاوروا عرفوا إكرامه لهم) (٢).
قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ؛ أي أعزمت على شيء فثق بالله ، وفوّض إليه ولا تتّكل على مشورتهم ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)) ؛ على الله.
واختلف العلماء في معنى التّوكّل ، فقال سهل بن عبد الله : (أوّل مقام التّوكّل : أن يكون العبد بين يدي الله كالميّت بين يدي الغاسل ، يقلّبه كيف يشاء ، والرّجاء لا يكون له حركة ولا تدبير ، والمتوكّل لا يسأل ولا يردّ ولا يحبس). وقال إبراهيم الخوّاص : (التّوكّل إسقاط الخوف والرّجاء ممّا سوى الله).
قال بعضهم : المتوكّل الذي إذا أعطي شكر ، وإذا منع صبر ، وأن يكون العطاء والمنع عنده سواء ، والمنع مع الشّكر أحبّ إليه لعلمه باختيار الله ذلك. وقال ذو النّون : (التّوكّل إنقطاع المطامع ممّا سوى الله) ، وقال : (هو معرفة معطي أرزاق الخلائق ، ولا يصحّ لأحد حتّى تكون السّماء عنده كالصّفر ؛ والأرض كالحديد ؛ لا ينزل من السّماء مطر ؛ ولا يخرج من الأرض نبات ، ويعلم أنّ الله لا ينسى له ما
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ؛ نقل القرطبي قال : «قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ؛ من لا يستشير أهل العلم والدّين فعزله واجب. وهذا ما لا خلاف فيه. وقد مدح الله المؤمنين بقوله : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)» ، وقال : «قال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتّاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال : ما ندم من استشار. وكان يقال : من أعجب برأيه ضلّ». أما أنّ التشاور واجب ، ففيه تفصيل ، قال القرطبيّ : «قال الشافعي : هو كقوله : [والبكر تستأمر] تطييبا لقلبها ، لا أنه واجب».
(٢) أخرج أصله الطبري في جامع البيان : النص (٦٤٦٦) عن قتادة. وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢٥٠ نقله القرطبي عن مقاتل وقتادة والربيع.