قوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) ؛ وذلك أنّ الله تعالى لمّا ذكر الجنّة أتى عقبها بما يدعو إليها ويوجبها فقال : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) أي لتختبرنّ بالنقص والذهاب في الأموال ، وفي أبدانكم بالأمراض والأوجاع. ويقال : إنّ المراد بالإبتلاء فرائض الدين مثل الجهاد في سبيل الله والإنفاق فيه.
قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) ؛ معناه : ولتسمعنّ من اليهود والنصارى ومشركي العرب كلام أذى كثيرا. أمّا من اليهود فقولهم : عزير ابن الله ، وقولهم : إنّ الله فقير ونحن أغنياء. ومن النصارى قولهم : المسيح ابن الله ، وقولهم : إنّ الله ثالث ثلاثة. ومن المشركين قولهم : الملائكة بنات الله ، وعبادتهم الأوثان ونصبهم الحرب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. والأذى : ما يكره الإنسان ويغتمّ به.
قال الزهريّ : (نزلت في كعب بن الأشرف ؛ وذلك أنّه كان يهجو النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ويسبّ المسلمين ويحرّض المشركين على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في سمره حتّى آذاهم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [من لي بابن الأشرف؟] فقال محمّد بن مسلمة الأنصاريّ : أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله ، قال : [أفعل إن قدرت على ذلك] ، قال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنّه لا بدّ لنا أن نقول؟ قال : [قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلّ من ذلك].
واجتمع محمّد بن مسلمة ، وأبو نائلة وهو أخو كعب من الرّضاعة ، وهو سلكان بن سلامة بن وقش ، وعبّاد بن بشر بن وقش ، والحارث بن أوس ، وأبو عبس ابن جبر ، ومشى معهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بقيع الغرقد ثمّ وجّههم ، فقال : [انطلقوا على اسم الله ، اللهمّ أعنهم](١).
ثمّ رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة ، فأتوا حتّى انتهوا إلى حصنه ؛ فقوّموا أبا نائلة لأنّه أخوه من الرّضاعة ، فجاءه فتحدّث معه ساعة ثمّ قال : يا كعب ؛ إنّي جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتمها عليّ ، قال : أفعل ، قال : كان قدوم
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام : ج ٣ ص ٥٨ ـ ٥٩. ودلائل النبوة : ج ٣ ص ١٩٨ ـ ١٩٩.