قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)) ؛ أي إن تصبروا على أذى الكفّار وتتّقوا معصية الله فإنّ ذلك من عزم الأمور وخيرها ؛ أي من حقيقة الإيمان.
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) ؛ أي قد أخذ الله ميثاق أهل الكتاب ليبيّن الكتاب بما فيه من نعت محمّد صلىاللهعليهوسلم وصفته للناس ولا يخفون شيئا من ذلك. قرأ عاصم وأبو عمرو وابن كثير بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتّاء فيها.
قوله تعالى : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ؛ أي ضيّعوه وتركوا العمل به ، يقال للذي ترك العمل به : جعله خلف ظهره. قوله تعالى : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ؛ أي اختاروا بكتمان نعت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وصفته عرضا يسيرا من المآكل والهدايا التي كانت لعلمائهم من رؤسائهم ، (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧)) ؛ أي يختارون الدنيا على الآخرة.
قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) ؛ قرأ أهل الكوفة : (يحسبنّ) بالياء ، وقرأ غيرهم بالتّاء ، فمن قرأ بالياء فمعناه : لا يحسبنّ الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب ، ومن قرأ بالتاء فالخطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) إعادة توكيد. قرأ الضحّاك بالتاء وضمّ الباء أراد محمّدا وأصحابه. وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمر بالياء وضمّ الباء خبرا عن الفارحين ؛ أي لا يحسبنّ أنفسهم.
واختلفوا فيمن نزلت ، فقال مجاهد وعكرمة : (نزلت في اليهود وكانوا يقولون : نحن أهل الصّلاة والصّوم والكتاب الأوّل والعلم الأوّل ، يريدون الفخر والسّمعة والرّياء لكي يثني عليهم ويحمدهم سفلتهم على ما يفعلون من بيان صفة كتابهم). وقال عطاء : (نزلت في المنافقين ؛ كانوا يأتون النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ويخالطون المسلمين ويراؤن بالأعمال الّتي يحبّون أن يحمدوا ويمدحوا على ذلك) (١).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٦٤٣) عن عطاء عن أبي سعيد الخدري.