قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) ؛ أي ولا تستحلّوا القتل والغارة في الشّهر الحرام ، وأراد بذلك الأشهر الحرم كلّها ؛ وهي : رجب ؛ وذو القعدة ؛ وذو الحجّة ؛ والمحرّم ، إلّا أنه ذكر باسم الجنس كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) أراد به جنس الإنسان ، ولذلك استثنى المطيع بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا). وكان في ابتداء الإسلام لا تجوز المحاربة في الأشهر الحرم كما قال تعالى : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)(٢) ، ثم نسخ حرمة القتال في الشهر الحرام بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٣).
قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) ؛ أي لا تحلّوا الهدي ؛ أي لا تذبحوه قبل محلّه ؛ ولا تنتفعوا به بعد أن جعلتموه لله ، ولا تمنعوه أن يبلغ البيت. قوله تعالى : (وَلَا الْقَلائِدَ) أي ولا تحلّوا القلائد التي تكون في أعناق الهدايا ؛ أي لا تقطعوها قبل الذبح وتصدّقوا بها بعد الذبح كما قال صلىاللهعليهوسلم لعليّ رضي الله عنه : [تصدّقوا بجلالها وخطامها ، ولا تعطي الجزّار منها شيئا](٤).
قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ؛ معناه : ولا تستحلّوا القتل والغارة على القاصدين المتوجّهين نحو البيت الحرام ، وعن ابن عبّاس رضي الله عنه : (أنّ الآية وردت في شريح بن ضبيعة بن هند اليماميّ (٥) ، دخل على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بالمدينة وقال : أنت محمّد النّبيّ؟ قال : [نعم] قال : إلام تدعو؟ قال : [أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ؛ وأنّي رسول الله]. فقال : إنّ لي أمراء أرجع إليهم وأشاورهم ، فإن قبلوا
__________________
(١) العصر / ٢.
(٢) البقرة / ٢١٧.
(٣) التوبة / ٥.
(٤) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الحج : باب يتصدق بجلود الهدي : الحديث (١٧١٧) ، وهو الحديث (١٧١٦ و١٧١٨). ومسلم في الصحيح : الحج : باب الصدقة بلحوم الهدايا : الحديث (٣٤٨ / ١٣١٧) ولفظه عن علي رضي الله عنه قال : [أمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدّق بلحمها وجلودها وأجلّتها وأن لا أعطي الجزّار منها ؛ قال : نحن نعطيه من عندنا].
(٥) في رواية الطبري ، ذكره قال : «الحطم بن هند البكري» ، وفي رواية قال : «الحطم أخو بني ضبيعة بن ثعلبة البكري». وفي أسباب النزول قال الثعلبي : «نزل الحطيم واسمع شريح بن ضبيع الكندي ، أي أتى النبيّ من اليمامة».