قبلت. ثمّ انصرف من عند النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا خرج قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر]. فمرّ بسرح لأهل المدينة فاستاقها ، وانطلق نحو اليمامة وهو يرتجز يقول :
باتوا نياما وابن هند لم ينم |
|
بات يقاسيها غلام كالزّلم |
خدلّج السّاقين خفّاق القدم |
|
قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم |
ليس براعي إبل ولا غنم |
|
ولا بجزّار على ظهر وضم |
هذا أوان الحرب فاشتدّي زلم (١) |
وقد كان عند دخوله على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خلّف خيله خارج المدينة ودخل وحده. فلمّا كان في العام القابل ؛ خرج شريح نحو مكّة في تجارة عظيمة في حجّاج بكر بن وائل من أهل اليمامة وهم مشركون ، وكانت العرب في الجاهليّة يغير بعضهم على بعض ، فإذا كان أشهر الحجّ أمن النّاس بعضهم بعضا ، وإذا سافر أحدهم في غير الأشهر الحرم نحو مكّة قلّد هديه من الشّعر والوبر ، ومن لم يكن له هدي قلّد راحلته ، ومن لم يكن معه راحلة جعل في عنقه قلادة ، وكانوا يأمنون بذلك ، فإذا رجعوا من مكّة جعلوا شيئا من لحاء شجر الحرم في عنق الرّاحلة فيأمنوا ، فلمّا سمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخروج شريح وأصحابه استأذنوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية) (٢).
قوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) ؛ في موضع نصب على الحال ، معناه : قاصدين طالبين رزقا بالتّجارة ، (وَرِضْواناً) أي رضى من الله تعالى على عملهم ، ولا يرضى عنهم حتّى يسلموا. وقال الحسن وقتادة : (معنى رضوانا ؛ أي يرضى الله عنهم ؛ فيصلح معاشهم ويصرف عنهم العقوبات في الدّنيا إذا كانوا لا يقرّون بالبعث ، ثمّ نسخ قوله تعالى بعد ذلك تعرّض المشركين بقوله تعالى :
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٤٣ تقديم وتأخير في صدر البيت وعجزه.
(٢) أخرجه مختصرا الطبري في جامع البيان : النص (٨٦١٢) عن السدي. وفي أسباب النزول للواحدي : ص ١٢٥ ـ ١٢٦. وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ٦ ص ٤٣.