أمان الله ؛ والله يعصمك من الناس. قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ) أي أنزل إليك لتخوّف (بِهِ) بالقرآن أهل مكة. (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي وليكون عظة لمن اتّبعك.
قوله تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ؛) أي اعملوا بما أنزل إليكم من ربكم. وحقيقة اتّباع القرآن تصرف الناس تصريف القرآن لهم وتدبّرهم بتدبيره. قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي لا تتّخذوا من دونه أوثانا ، ولا تتولّوا أحدا إلا لوجهه. قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٣) ؛ أي قليلا ما تتّعظون.
قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) أي وكم من قرية أهلكنا أهلها بأنواع العذاب فجاءها بأسنا ليلا. وسمّى الليل بياتا ؛ لأنه بيات فيه. قوله تعالى : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) أي وقت الظّهيرة ؛ يعني نهارا في وقت القائلة. و (قائِلُونَ) : نائمون وقت الهاجرة.
وإنّما خصّ هذين الوقتين بنزول العذاب ؛ لأنّهما من أوقات الرّاحة. وقيل : من أوقات الغفلة. ومجيء العذاب في حال الراحة أغلظ وأشدّ ؛ أهلك الله قوم شعيب في نصف النهار ، وفي حرّ شديد وهم قائلون. وفائدة هذه الآية : التهديد والوعيد على معنى : إن لم تتّعظوا أتاكم العذاب ليلا أو نهارا كما أتى الأوّلين الذين لم يتّعظوا.
ثم أخبر جلّ ذكره عن حال من أتاهم العذاب فقال عزوجل : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٥) ؛ معناه : لم يكن قولهم ودعاؤهم حين جاءهم عذابنا إلا الاعتراف بالظلم والشّرك ؛ أي اعتبروا بهم ؛ فكما لم ينفعهم تضرّعهم عند رؤية البأس ؛ كذلك لا ينفعكم إذا جاءكم العذاب تضرّعكم.
قال سيبويه : (إنّ الدّعوى تصلح في معنى الدّعاء ، ويجوز أن يقال : اللهمّ أشركنا في صالح دعوى المسلمين ودعاء المسلمين) (١). فإن قيل : إنّ الهلاك يكون
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ١٦٣ ؛ نقله القرطبي عن النحويين. وفي اللباب : ج ٩ ص ١٨ ؛ قال الحنبلي : ((حكاه الخليل)).