ربكم ، (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ ؛) أي حجج من ربكم وهدى من الضّلالة ونجاة من العذاب ، (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣) ؛ يصدّقون أنه من الله.
قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٠٤) قال ابن عبّاس وابن مسعود وأبو هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب والزهريّ : (إنّ هذه الآية نزلت في الصّلاة) (١). عن أبي العالية الرباحيّ قال : (كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى ، قرأ أصحابه خلفه حتّى نزلت هذه الآية ، فسكت القوم) (٢) ، وقال بعضهم : المراد بالآية وقت نزول القرآن ، أمرهم الله بالاستماع والإنصات.
وقال الزجّاج : (يحتمل أن يكون معنى الاستماع العمل بما فيه) (٣) ، وعن ابن عبّاس قال : (كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلّمون في الصّلاة ويأمرون بحوائجهم ، ويجيء الرّجل إلى الرّجل فيقول له : كم صلّيتم؟ فيقول كذا ، فأنزل الله هذه الآية). والقول الأوّل أصحّ وأقرب إلى ظاهر الآية ؛ لأنه ليس في الآية تخصيص زمان دون زمان ، ولا يجب على القوم الإنصات لقراءة من يقرأ في غير الصّلاة.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ؛) يجوز أن يكون الخطاب في هذه الآية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد به جميع الخلق ، ويجوز أن يكون المعنى : واذكر ربّك أيّها المستمع للقرآن إذا تلي عليك.
وقوله تعالى : (فِي نَفْسِكَ) يعني التفكّر في النفس والتعرّض لنعم الله مع العلم بأنه لا يقدر عليها أحد سواه ، وأنه متى شاء سلبها منه. والمراد بقوله : (وَدُونَ الْجَهْرِ) المتكلّم بذكر الله على وجه الخيفة بالتضرّع إليه والمخافة منه ، ولأن أفضل الدّعاء ما
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٠٩٩) عن ابن عباس ، والأثر (١٢٠١٠٠) عن الزهري ، والأثر (١٢١٢٠) عن ابن مسعود.
(٢) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٦٣٥ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي العالية ... وذكره).
(٣) في معاني القرآن وإعرابه : ج ٢ ص ٣٢٢ ؛ قال الزجاج : (ويجوز أن يكون (فاستمعوا له وأنصتوا) اعملوا بما فيه ولا تجاوزوا).