وعن ابن عبّاس في سبب نزول هذه الآية : (أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم رغّب أصحابه يوم بدر فقال : [من قتل قتيلا فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا] فلمّا هزم الله المشركين سارع الشّباب ، وأقبلوا بالأسارى ، وأقام الشّيوخ عند الرّايات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مخافة أن يغتاله أحد من المشركين ، فوقع الاختلاف بينهم في استحقاق الغنيمة ، فقال الّذين ثبتوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قيامنا أفضل من ذهابهم ، فلو أعطيتهم ما وعدتهم لم يبق لنا ولا لعامّة أصحابك شيء. وقال الآخرون : نحن قتلنا وأسرنا. وكان ذلك مراجعة بينهم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ساكت لا يقول شيئا ، فأنزل الله هذه الآية) (١).
ومعناها يسألونك عن الأنفال لمن هي ، ويجوز أن يكون (عن) صلة في الكلام ، والمعنى يسألونك الأنفال التي وعدتهم يوم بدر ، قل الأنفال لله والرسول ليس لكم فيها شيء. قال عبادة بن الصّامت : (لمّا اختلفنا في غنائم بدر وساءت أخلاقنا ، نزعها الله من أيدينا وجعلها إلى رسوله وقسمها بيننا على سواء) (٢). وقيل : إنّ التّنفيل المذكور في هذه الآية لرواية غلط وقع من الرّاوي ؛ لأنه لا يجوز على النبيّ صلىاللهعليهوسلم خلف الوعد واسترجاع ما جعله لأحد منهم ، والصحيح : أنّهم اختلفوا في الغنائم من غير تنفيل كان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ؛) أي اتّقوا معاصيه واحذروا مخالفة أمره وأمر رسوله ، (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ؛) أي كونوا مجتمعين على ما يأمركم به الله ورسوله ، (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ؛) في الغنائم وغيرها ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) ، كما تزعمون.
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ؛) معناه : إنّ صفتهم إذا ذكر الله عندهم فزعت قلوبهم عند الموعظة. والوجل : هو الخوف مع شدّة الحزن ، والمعنى ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢١٥٣) بأسانيد .. وفي الدر المنثور : ج ٤ ص ٦ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ... وذكره)).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٢١٥٥) بإسنادين صحيحين.