وأعجبهم ، فاستشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين عرف أنّهم لا يخالفونه ، فقالوا له : (والله لو أمرتنا أن نخوض البحر لخضناه) ثم أخبرهم أن في المشركين كثرة فشقّ على بعضهم وقالوا : ألا كنت أخبرتنا أنّه يكون قتال ، فنخرج سلاحنا وقوّتنا ، إنّما خرجنا في ثيابنا نريد العير. فأنزل الله هذه الآية وهم بالرّوحاء (١).
ومعناها : امض على وجهك من الرّوحاء (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) أي من المدينة (بالحقّ) أي الأمر الواجب ، (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥) ؛ يعني كراهة الطبع للمشقّة لا كراهة الحقّ ، وقيل : معناه : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ؛) متكرّهين له كما أخرجك ربّك من بيتك مع تكرّهك له ، ومعنى يجادلونك أي يخاصمونك بقولهم : هلّا أعلمتنا القتال حتى كنا نستعدّ له ، (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ ؛) أي بعد ما ظهر لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك ربّك. قوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ ؛) أي هم بما عليهم من شدّة المشقّة لقلّة عددهم وعدّتهم ، وكثرة عدوّهم كأنّما يساقون إلى الموت ، (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (٦) ؛ إلى أسباب الموت.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ؛) إمّا العير وإما العسكر أنّها لكم ، (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ؛) وتمنّون أن تكون لكم العير دون العسكر ، لأن العسكر ذات شوكة وهي السلاح ، (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ؛) أي يظهر الإسلام بوعده الذي أنزل في الفرقان ، ويقال : بأمره لكم بالقتال ، (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٧) ؛ أي يظهركم على ذات الشّوكة فتستأصلوهم ، (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ؛) بإهلاك ، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨) ؛ مشركو مكّة.
قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) ؛ معناه : إذ تستغيثون أيّها المسلمون ربّكم حين رأيتم قلّة عددكم وكثرة عدوّكم ، فلم يكن لكم مفزع إلا الدعاء لله وطلب المعونة
__________________
(١) ينظر : جامع البيان : الأثر (١٢٢١٠).