ذكر الخوف في هذا الموضع ؛ لأن الخطاب من الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والخوف عليه جائز. قوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) ؛ على إعادتكم.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ؛) قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق ، كان حين يجالس النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ويظهر له أمرا حسنا ، وكان حسن المنظر ، وكان حسن الحديث ، إلّا أنّه كان يضمر في قلبه خلاف ما يظهر ، فأنزل الله في أمره هذه الآية) (١).
يقال : إنّ طائفة من المشركين بلغ بهم الجهل إلى أن قالوا : إنّا اذا أغلقنا أبوابنا ، وأرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمّد صلىاللهعليهوسلم كيف يعلم بنا؟ فأنبأ الله نبيّه عليهالسلام عمّا كتموه. ومعنى الآية : ألا إنّهم يثنون صدورهم على الكفر وعداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ ليكتموا منه ما في صدورهم من عداوته بإظهار المحبّة. ويقال : معنى (يَثْنُونَ) يعرضون بصدورهم عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ؛) معناه : ألا حين يتغطّون بثيابهم يعلم الله ما يسرّون بقلوبهم وفيما بينهم وما يظهرون من محبّة أو غيرها ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥) ؛ أي عالم بالقلوب التي في الصّدور ، لأن الصدور مواضع القلوب.
قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ؛) أي ما من حيوان يدبّ ، قال الزجّاج : (الدّابّة اسم لكلّ حيوان مميّز وغيره ، ذكرا كان أو أنثى).
وفي الآية بيان أن الله عالم بالقلوب كلّها ، وذلك أنه إذا كان ضامنا رزق كلّ دابة في الأرض ، فليس يرزقها إلّا وهو يعلم صغيرها وكبيرها ، من الذرّ فما فوقها وما دونها ، وإذا علمها فقد علم مستقرّها ومستودعها ، المستقرّ موضع قرارها وهو الموضع الذي تأوي إليه ، والمستودع هو الموضع الذي تودع فيه ، قيل : إنه الرّحم ، وقيل : هو الموضع الذي تدفن فيه.
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : تفسير الآية. والجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ٥.