واستغنوا بذلك عن طاعة الله ، فلم ينهوا عن الفساد ، وعتوا عن أمر الله ، وآثروا الدّنيا وبطروا ، (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) (١١٦) ؛ أي وكانوا مذنبين بترك الأمر بالمعروف.
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١١٧) أي لم يكن ليهلك أهل القرى بظلم منه عليهم إذا كان أهلها مصلحين ، ولكن إنّما كان أهلكهم بظلمهم لأنفسهم. وعن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ معناه : (ما كان ليهلك أهل القرى بشركهم وهم مصلحون ، يتعاطون الحقّ بينهم ، أي ليس من سبيل الكفّار إذا قصدوا الحقّ في المعاملة ، وترك الظّلم أن ينزل الله بهم عذابا يهلكهم). والمعنى : ما كان الله ليهلكهم بشركهم ، وهم مصلحون ما بينهم لا يتظالمون ويتعاطون الحقّ بينهم ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا ؛ لأنّ مكافأة الشّرك النار ؛ أي إنما يهلكهم بزيادة المعصية على الشّرك ، كما في قوم لوط وقوم صالح وقوم موسى وغيرهم.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ؛) أي لجعلهم كلّهم على دين الإسلام ، ولكن علم أنّهم كلّهم ليسوا بأهل لذلك ، وقيل : لو شاء لألجأهم إلى الإيمان لآمنوا كلّهم ضرورة ، ولكن لو فعل ذلك لزال التكليف.
قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١١٨) ؛ أي في الدّين على أديان شتّى من يهوديّ ونصرانيّ ومجوسي وغير ذلك. قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ؛) إلا من عصمه الله من الباطل والأديان المخالفة بأن لطف به ، ووفّقه للإيمان المؤدّي إلى الثواب ، فهو ناج من الاختلاف بالباطل.
قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ؛) أي وللرّحمة خلقهم ؛ أي لكي يؤمنوا فيرحمهم. وقيل : معناه وللاختلاف خلقهم ، فتكون اللام في هذا لام العاقبة. قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١٩) ؛ أي من كفّار الجنّ وكفار الإنس.
قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ؛) أي كلّ القصص وكلّ ما يحتاج إليه نبيّنه لك من أخبار الرّسل ما يطيب ويسكن به قلبك ويزيدك يقينا ويقوّي قلبك. وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان ضاق صدره بما يكون من أذى قومه في الله ، فقصص الله عليه شيئا من أخبار الرّسل المقدّمين مع أممهم لنثبت به