بالجزم فيهما على جواب الدّعاء ، وقرأ الباقون برفعهما على الحال والصّفة. وقوله تعالى (وَلِيًّا) أي واليا.
قوله تعالى : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٦) ؛ أي وفّقه للعمل حتى يصير ممّن ترضاه. وقال أبو صالح : (معناه : واجعله رب نبيّا كما جعلت أباه). وقيل : إجعله صالحا تقيّا برّا مرضيّا.
وذهب بعض المفسّرين أنّ معنى قوله تعالى (يَرِثُنِي) اي يرث مالي ، إلّا أنّ حمل الآية على ميراث العلم أولى ؛ لأن الأنبياء كانوا لا يشحّون بالمال ، ولا يتنافسون على مصير المال بعد موتهم إلى مستحقّه ؛ ولأنه قال (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ولم يرد بذلك المال ، ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [إنّا ـ معشر الأنبياء ـ لا نورث ما تركناه صدقة](١) وإنّما دعاء زكريا بالولد ليلي أمور الدّين بعده ؛ لخوفه من بني أعمامه أن يبدّلوا دينه بعد وفاته ، وخاف أن يستولوا على علومه وكتبه فيحرّفونها ، ويواكلون الناس بها ، ويفسدون دينه ، ويصدّون الناس عنه.
قوله : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى ؛) معناه : إنّ الله استجاب له فأوحى إليه : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) أي نفرّحك (بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) ؛ لأنّ الله أحيا به الإيمان والحكمة. قوله تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (٧) قال الكلبيّ وقتادة : (معناه : لم نسمّ أحدا قبله يحيى) (٢) ، قال ابن جبير وعطاء : (لم نجعل له شبيها ولا مثلا ؛ لأنّه لم يعص ولا يهمّ بمعصية). وقيل : لم تلد العواقر مثله.
وإنّما قال (مِنْ قَبْلُ) لأنه تعالى أراد أن يخلق بعده أفضل منه وهو محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : إن الله تعالى لم يرد بهذا القول جمع الفضائل كلّها ليحيى ، وإنّما أراد في بعضها ؛ لأن الخليل والكليم كانا قبله ، وكانا أفضل منه.
__________________
(١) الحديث بألفاظ كثيرة وأسانيد عديدة ، وأخرجه الإمام مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها : كتاب الكلام : باب ما جاء في تركة النبي صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٢٧). والإمام أحمد في المسند : ج ٦ ص ١٤٥ و ٢٦٢. والبخاري في الصحيح : كتاب الفرائض : الحديث (٦٧٢٧ و ٦٧٣٠). ومسلم في الصحيح : كتاب الجهاد : الحديث (١٧٥٩).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٧٠٣).