امرأته ومنع من الكلام ، خرج إليهم يأمرهم بالصلاة إشارة ، ثم تكلم بعد ثلاث ، وأتى امرأته على طهر ، فحملت بيحيى.
قوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ؛) أي قال الله ليحيى بعد ما بلغ البلغ الذي يجوز أن يخاطب : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) أي اعمل بما في التّوراة بجدّ ومواظبة وعزيمة. قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢) ؛ أي أعطيناه الحكمة ، وهي الفهم لكتاب الله صبيّا ، وكان يحيى عليهالسلام على هيأة الصبيان ، وله عقل البالغين. وقال ابن عبّاس : (وآتيناه النّبوّة في صباه وهو ابن ثلاث سنين) (١). وروي أنه مرّ بالصّبيان وهو صغير ، فقالوا : تعال نلعب ، فقال : ما للّعب خلقنا (٢).
قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً ؛) أي وآتيناه تحنّنا على قومه ، ورقّة قلب عليهم ؛ ليدعوهم إلى طاعة ربهم ، وقوله (وَزَكاةً) اي عملا صالحا وإخلاصا ، وقيل : معناه : جعلناه طاهرا من الذّنوب. وقيل : معناه : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أي جعلناه رحمة من عندنا لأبويه (وَزَكاةً) أي صدقة عليهما. قوله تعالى : (وَكانَ تَقِيًّا) (١٣) ؛ أي مطيعا مخلصا بجميع كل ما يرضاه الله من عباده. قال المفسّرون : وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا همّ بها.
قوله تعالى : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ ؛) أي لطيفا بوالديه ، محسنا إليهما ، (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) (١٤) ؛ أي لم يكن متكبرا على من في دينه ، ولا عاصيا لربه. قوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ ؛) أي سلامة وسعادة منّا عليه حين ولد وحين يموت ، (وَيَوْمَ ،) وحين ؛ (يُبْعَثُ حَيًّا) (١٥) ؛ من القبر. قال عطاء : (يريد سلامة له منّا).
قال سفيان بن عيينة : (أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم ولد فيرى نفسه خارجا ممّا كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما ما لم يكن عاينهم ، وأحكاما لم
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٩ ص ٢٤.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٧٣٧).