مقالتك ، وتسكت عن شتم آلهتي وعيبها ، (لَأَرْجُمَنَّكَ ؛) أي لأرمينّك بالشّتم والعيب ، وقيل : لأقتلنّك رجما ، (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (٤٦) ؛ أي تباعد عنّي دهرا طويلا.
وقال الحسن وقتادة : (معنى مليّا ؛ أي سالما سويّا من قبل أن يلحقك مكروه منّي) ، وأصل الملاوة الزمان الطويل من الدهر ، يقال : أقام في موضع كذا مليّا ، والملوان : الليل والنهار.
قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ ؛) أي قال إبراهيم لأبيه : سلمت منّي لا أصيبك بمكروه ، وذلك أنه لم يؤمن بقتاله على كفره ، هذا سلام توديع ، وقوله تعالى : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ؛) أي سأسأل الله لك توبة تنال بها مغفرته ، ويرزقك التوحيد. قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (٤٧) ؛ أي لطيفا رحيما ، وقيل : عالما يستجيب لي إذا دعوت.
قوله تعالى : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ؛) أي أتنحّى عنكم وأفارقكم ، وأعتزل ما تدعون من دون الله يعني الأصنام ، فاعتزلهم وهاجر إلى الأرض المقدسة. قوله تعالى : (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (٤٨) ؛ أي محروما خائبا.
قوله تعالى : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) (٤٩) ؛ أي فلما خرج إلى ناحية الشّام ، وتركهم وترك أصنامهم آنسنا وحشته بأولاد كرام على الله تعالى ، ووهبنا لهم نعما كثيرة ، وأكرمناهم بالثّناء الحسن.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا ؛) أي وهبنا لهم المال والولد ، وبسطنا لهم في الرّزق. وقال بعضهم : يعني الكتاب والنبوّة. قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٥٠) ؛ أي ثناء حسنا في الناس ، مرتفعا سائرا في الناس ، فكلّ أهل الملل والأديان يحسنون الثناء عليهم ، ويتولّون إبراهيم ودينه.