قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ،) قال ابن عبّاس : (معناه أم قال : لا إله إلّا الله ؛ فأرحمه بها) (١). وقال قتادة : (أقدّم عملا صالحا يرجوه) (٢) ، (كَلَّا ؛) أي ليس الأمر على ما قال : أنه يولّي المال والولد. ويجوز أن يكون معناه : كلّا إنّه لم يطّلع الغيب ، ولم يتّخذ عند الرحمن عهدا.
قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ؛) أي سنأمر الحفظة بإثبات ما يقول لنجازيه به في الآخرة ، (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) (٧٩) ؛ أي نزيده عذابا فوق العذاب. قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ؛) أي نرثه المال والولد بعد إهلاكنا إياه ، فلا يعود بعد ذلك إليه ، كما لا يعود المال إلى من خلفه بعد موته ، (وَيَأْتِينا ؛) في الآخرة ، (فَرْداً) (٨٠) ؛ أي وحيدا خاليا من المال والولد.
قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٨١) ؛ أي واتّخذ أهل مكة من دون الله أصناما آلهة ؛ ليكونوا لهم أعوانا وشفعاء في الآخرة. والعزّ : الامتناع من الضمّ ، فهم اتخذوا هذه الآلهة ؛ ليصيروا بها إلى العزّ في زعمهم فلا يصيبهم سوء ، وذلك أنّهم رجوا منها الشفاعة والنّصرة والمنع من عذاب الله.
قوله : (كَلَّا ؛) أي لا يمنعهم منّي شيء ، (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ؛) أي يجحد الآلهة عبادة المشركين لها كما قالوا : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ)(٣). قوله تعالى : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (٨٢) ؛ أي يصيرون أعوانا عليهم يكذّبونهم يلعنونهم يتبرّأون منهم.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (٨٣) ؛ أي ألم تعلم أنّا خلّينا بين الشياطين والكفار وسلطانهم عليهم ، فلم نعصم الكفار من القبول (٤) منهم ، وتسمّى التخلية إرسالا في سعة اللغة. قوله تعالى : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٥٣٦ ؛ قال السيوطي : (ابن أبي حاتم).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٠١٧٠) بلفظ : (بعمل صالح قدّمه).
(٣) القصص / ٦٣.
(٤) في المخطوط : (القبور) وهو تصحيف والصحيح كما أثبتناه.