روي أنه بلغ بهم من الجوع ما لا غاية بعده حتى أكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب ، وكان ذلك بدعاء النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، اللهمّ سنين كسنيّ يوسف](١) فاستجاب الله دعاءه حتى صار أمرهم إلى هذه الحالة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ ؛) أراد به محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ ؛) الذي تقدّم ذكره من الجوع والخوف ، (وَهُمْ ظالِمُونَ) (١١٣) ؛ وكانوا ظالمين لأنفسهم.
قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٥) ؛ أي كلوا يا معشر المؤمنين مما رزقكم الله حلالا طيّبا إلى آخر الآيتين ، قد تقدّم تفسيرهما في سورة البقرة.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ ؛) أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم بالحلّ والحرمة ، فتحلّوا الميتة ، وتحرّموا بعض الزّرع والأنعام ، كما تقدّم ذكره في سورة الأنعام. قوله تعالى : (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ؛) أي لتكذبوا على الله بقولكم إنّ هذا من عند الله.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (١١٦) ؛ أي لا يظفرون بالمراد ، ولا ينجون يوم القيامة ، إنما لهم في الدّنيا (مَتاعٌ قَلِيلٌ ؛) ثم يتعقّبهم ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١٧).
قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ؛) أراد به ما بيّنه الله في سورة الأنعام ، وقد تقدّم هناك ، وفيه بيان أن التحريم الذي كان في اليهود كان من قبل الله ، وأنه مخالف للتحريم الذي كان في كفّار مكة. وقوله تعالى : (وَما
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الأذان : باب يهوي بالكبير حين يسجد : الحديث (٨٠٤). ومسلم في الصحيح : كتاب المساجد وموضع الصلاة : باب استحباب القنوت : الحديث (٢٩٥ / ٦٧٥).