إلى حمزة فشقّوا بطنه ، وأخذت منه هند بنت عتبة كبده ، فجعلت تلوكها ثم تطرحها ، وقطعوا مذاكيره وجدعوا أنفه وأدنيه ، ومثّلوا به أشدّ المثلة ، وكذلك سائر شهداء أحد مثّل بهم المشركون ، بقروا بطونهم ، وقطعوا مذاكيرهم.
فلما نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عمّه حمزة لم ينظر إلى شيء قطّ أوجع إلى قلبه منه ، فقال : [رحمة الله عليك ، فإنّك كنت فعّالا للخير ، وصّالا للرّحم ، والله لئن أظفرني الله بهم لأقتلنّ بك سبعين منهم ، ولأمثّلنّ سبعين منهم] وقال المسلمون : والله لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء فضلا عن الأموات. فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦) ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : [أصبر ولا أمثّل] وكفّر عن يمينه (١) ، فنزل قوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ ؛) أي ما صبرك إلّا بمعونة الله وتوفيقه ، ولا تقدر على الصّبر في الحزن الذي لحقك بسبب الشّهداء ، إلا أن يسهّل الله عليك.
قوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ؛) أي لا تحزن على الكفّار إذا امتنعوا من الاستجابة لك. وقيل : لا تحزن على الشّهداء ، فإن الله أنزلهم منازلهم في الجنّة ، لو رأيتهم في الكرامة التي أكرمهم الله بها لغبطتهم عليها. قوله تعالى : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (١٢٧) ؛ أي لا يضيق صدرك من مكرهم ، فيكون ذلك شاغلا عن ما كلّفته من الدّعاء إلى سبيل ربك. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) ؛ أي مع المتّقين المحسنين ، وهم المسلمون ينصرهم ويظهرهم على الكفار ويعينهم عليه.
آخر تفسير سورة (النحل) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) أخرجه الدارقطني في السنن : ج ٤ ص ١١٨ : كتاب السير : الحديث (٤٧).