فقال له ربح البيع يا صهيب فقال وما ذاك يا أبا بكر فأخبره بما نزل فيه ففرح بذلك صهيب (١) ، والشرى من الأضداد يستعمل في البيع والابتياع ، ونصب (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مفعول له ، أي يشري نفسه لطلب رضوانه تعالى (وَاللهُ رَؤُفٌ) أي كثير الرحمة (بِالْعِبادِ) [٢٠٧] لأنه كلفهم الجهاد لحصول الثواب لهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨))
ونزل حين استأذن عبد الله بن سلام وأصحابه بأن يقرؤا التورية ويعملوا ببعض ما فيها (٢)(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) بكسر السين وفتحها (٣) ، أي في الانقياد ، والمراد الإسلام (كَافَّةً) حال من الضمير في (ادْخُلُوا) ، أي اثبتوا جميعا على شرائع الإسلام ودين محمد ولا تخرجوا منها (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي آثاره وسننه بعد مجيء سنن الإسلام برسالة محمد عليهالسلام (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [٢٠٨] أي ظاهر العداوة فلا تتبعوا طرقه التي يدعوكم إليها لترجعوا (٤) عن الصراط المستقيم.
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩))
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) أي ملتم عن الإسلام وشرائعه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) أي الحجج الواضحات على أن ما دعاكم إليه محمد حق (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [٢٠٩] أي غالب بالنقمة لا ينتقم إلا بالحق.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠))
ثم قال تعالى يا محمد (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظرون بترك الدخول في الإسلام (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أي بأسه وقضاؤه بالعذاب في الدنيا أو يوم القيامة (فِي ظُلَلٍ) جمع ظلة وهي ما أظل ، وقوله (مِنَ الْغَمامِ) أي الغيم ، صفة (ظُلَلٍ) ، قيل : فيه إيذان بشدة العذاب ، لأن الغمام مظنة الرحمة فاذا نزل منه العذاب كان أصعب (٥) ، كأنه قال من حيث لم يحتسبوا ، قوله (وَالْمَلائِكَةُ) رفع ، عطف على (اللهُ) ، أي يأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي وفرغ من حسابهم أو أتم أمر هلاكهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [٢١٠] معلوما ومجهولا وبالتاء والياء (٦).
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١))
وثم أمر الله تعالى نبيه محمدا عليهالسلام بأن يسأل اليهود تبكيتا بقوله (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ) أي أعطيناهم ، ف «كم» يحتمل كونها استفهامية وخبرية ، ومعنى الاستفهام فيها للتقرير ، وتبينت بقوله (مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) أي واضحة على نبوة موسى أو محمد عليهماالسلام كانفلاق البحر لهم وإهلاك عدوهم ونزول المن والسلوى عليهم أو شق القمر نصفين وإنطاق الحجر وغيرهما من المعجزات (وَمَنْ يُبَدِّلْ) أي ومن يغير (نِعْمَةَ اللهِ) التي هي آيات الله الدالة على صدق محمد ودينه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) أي من (٧) بعد ما عرفها وصحت عنده (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [٢١١] لمن لم يشكر نعمته لاستحقاقه العقوبة بكفر النعمة.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٩٦ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.
(٢) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٩٧ ؛ والواحدي ، ٥٤ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٦٨.
(٣) «السلم» : قرأ المدنيان والمكي والكسائي بفتح السين ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٤٨.
(٤) لترجعوا ، ب س : ليزجعوا ، م.
(٥) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ١٩٨ ؛ والكشاف ، ١ / ١٢٣.
(٦) «ترجع» : قرأ المدنيان والمكي والبصري وعاصم بضم التاء وفتح الجيم ، والباقون بفتح التاء وكسر الجيم. البدور الزاهرة ، ٤٨.
(٧) من ، س : ـ ب م.