رأوا من كثرتهم ، قيل : كان معه مائة ألف ، كلهم شاكون في السلاح (١)(قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي يوقنون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) بالبعث بعد الموت (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) أي جند قليل (غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) أي بارادته ونصره إذا خلصت نيتهم في طاعة الله (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [٢٤٩] بالنصرة على عدوهم.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠))
(وَلَمَّا بَرَزُوا) أي خرجوا واصطفوا في فضاء من الأرض (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) دعوا الله بالإخلاص (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ) أي اصبب (٢)(عَلَيْنا صَبْراً) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) عنده (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [٢٥٠] وكان داود عليهالسلام راعيا لغنم أبيه وكان له سبعة إخوة مع طالوت للقتال فأرسله أبوه لينتظر إليهم ويأتي به خبرهم لبطؤهم ، فمر في الطريق بحجر ، فقال له خذني ، فاني حجر إبراهيم الذي قتل بي عدوه ، فأخذه وجعله في مخلاته ، ثم مر بآخر ، فقال : خذني فاني حجر موسى قتل بي عدوه ، ثم بثالث ، فقال : خذني ، فاني أقتل جالوت فأخذه فأتاهم وهم قد برزوا لجالوت ، وقال جالوت : من يبارزني اليوم؟ فلم يخرج إليه أحد ، فقال داود لإخوته : أما فيكم أحد يخرج إلى هذا الأقلف؟ فقالوا له : اسكت ، فذهب داود إلى ناحية فيها طالوت ، فقال داود له : ما تصنع بمن يقتل هذا الأقلف؟ قال طالوت : أنكحه ابنتي وأجعل له نصف ملكي ، قال : أنا أخرج إليه ، فأعطاه طالوت درعه وسيفه فردهما إليه ، وقال : إني لم أتعود القتال في الدرع ، قال له طالوت : هل جربت نفسك ، قال : نعم ، فأمره بأن يخرج إليه ، فأخذ قذافته وخرج ، فلما رآه جالوت قال : خرجت لتقتلني بالقلاعة كما تقتل الكلاب (٣) ، قال له داود : هل أنت إلا مثل الكلب ، وكان على رأسه بيضة ثلثمائة رطل ، فأخذ حجرا من الأحجار الثلثة فوضعه في قذافته فرماه فوقع في صدره فنفذ من صدره ، وقتل من خلفه خلقا كثيرا (٤) ، وقيل : رمى واحدا بعد واحد (٥).
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١))
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) فزوجه طالوت ابنته ، وأراد أن يعطي له نصف ملكه ومنعه وزراؤه ، وقالوا : هو يصير منازعا لك فيفسد ملكه فامتنع من ذلك وحسده فأراد قتله ، ثم خرج طالوت إلى بعض المغازي فقتل (٦) فيه طالوت تائبا عن حسده ، ثم خلفه داود في الملك كله فقال تعالى (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي أعطاه ملك اثني عشر سبطا (وَالْحِكْمَةَ) أي النبوة ، وأنزل عليه الزبور أربعمائة وعشرين سورة (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) من صنعه (٧) الدرع ولنطق الطير وتسبيح الجبال وكلام النمل (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ) بغير الألف وبالألف (٨) ، وأصل الدفع الصرف ، أي ولو لا أن يصرف الله (النَّاسَ بَعْضَهُمْ) أي المشركين والمفسدين (بِبَعْضٍ) أي بالمؤمنين
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٢٠.
(٢) اصبب ، ب م : اصب ، س.
(٣) تقتل ، ب م : يقتل ، س.
(٤) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٢٠.
(٥) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٢٢٠. ومصدر هذه الرواية التورية ، انظر سمؤل الأول (LEUMAS.I) ، ١٧ / ٣٨ ـ ٤٣. وقال ابن كثير بعد أن حكى نحو هذه الرواية : «هكذا ذكره ابن جرير في تاريخه من طريق السدي باسناده. وفي بعض هذا نظر ونكارة ، والله أعلم». انظر البداية والنهاية ، ٢ / ٩. وقال أيضا : «وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا قصصا وأخبارا ، أكثرها إسرائليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة تركنا إيرادها في كتابنا قصدا اكتفاء واقتصارا على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم والله أعلم يهدي من يشاء ألى صراط مستقيم». انظر البداية والنهاية ، ١ / ١٢.
(٦) فقتل ، ب س : وقتل ، م.
(٧) صنعه ، ب م : صنع ، س.
(٨) «ولو لا دفع الله» : قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب بكسر الدال وفتح الفاء وألف بعدها ، والباقون بفتح الدال وإسكان الفاء من غير ألف. البدور الزاهرة ، ٥٢.