أي فأعلموا غيركم ، أي ليعلم بعضكم بعضا (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ولم يقل بحرب الله ورسوله ليكون أبلغ في التحذير ، لأن المعنى بنوع حرب عظيم من عند الله ورسوله ، وحرب الله النار وحرب رسوله السيف ، قيل : يقال يوم القيامة لآكل الربوا خذ سلاحك للحرب من الله ، ولما سمع المربون هذه الآية ، قالوا : لا طاقة لنا بحرب من الله ورسوله ورضوا برؤوس أموالهم (١) ، ثم بين الله تعالى الحكم بعد التوبة بقوله (وَإِنْ تُبْتُمْ) عن الربوا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) التي أربيتم بها (لا تَظْلِمُونَ) غيركم بطلب الزيادة على رأس المال (وَلا تُظْلَمُونَ) [٢٧٩] بأن ينقص المطلوب عن رأس المال ، قيل : الآية نزلت في بني ثقيف وبني المغيرة ، فان بني ثقيف أربوا بني المغيرة في الجاهلية فلما ظهر النبي عليهالسلام على أهل مكة وضع الربوا كله والدم كله ، فطلبوا رؤوس أموالهم من بني المغيرة فشكوا العسرة وطلبوا الأجل إلى وقت إدراك ثمارهم (٢) ، فقال تعالى (وَإِنْ كانَ) أي إن وقع (ذُو عُسْرَةٍ) أي صاحب إعسار وهو الشدة والصعوبة ، ف «كان» تامة ، قوله (فَنَظِرَةٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي فالحكم إنظار وإمهال (إِلى مَيْسَرَةٍ) بضم السين وفتحها (٣) ، أي إلى وقت يسر بادراك ثمارهم وغيره ، قوله (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) بتشديد الصاد وتخفيفها قبل تشديد الدال (٤) في محل الرفع مبتدأ ، أي وتصدقكم (٥) باسقاط الدين كله عمن أعسر من الغرماء أو بالتأخير والإنظار (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٢٨٠] أنه خير فتعلموا به جعل من لا يعمل بعلمه كمن لا يعلم ، قال عليهالسلام : «من أنظر معسرا أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة» (٦).
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١))
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ) بضم التاء وفتحها (٧) مجهولا ومعلوما من رجع (فِيهِ إِلَى اللهِ) أي اخشوا يوما تصيرون فيه إلى حكم الله ، وهو يوم القيامة (ثُمَّ تُوَفَّى) أي تكمل (٨)(كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من عمل خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٢٨١] أي لا ينقصون من ثوابهم ولا يزادون على عقابهم ، عن ابن عباس رضي الله عنه : أنها آخر آية نزلت بها جبرائيل عليهالسلام ، وقال ضعها في رأس المأتين والثمانين من البقرة ، وعاش بعدها أحدا وعشرين يوما (٩) ، وإنما أمر بوضعها هنا تأكيدا للزجر عن الربوا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ) نزل حين حرم الله الربوا لإباحة السلم المضمون إلى أجل معلوم (١٠) ،
__________________
(١) لعل المؤلف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٣٦ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٠٣.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٣٦.
(٣) «ميسرة» : قرأ نافع بضم السين ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٥٦.
(٤) «وأن تصدقوا» : قرأ عاصم بتخفيف الصاد ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٥٦.
(٥) وتصدقكم ، ب س : وأن تصدقكم ، م.
(٦) أخرجه مسلم ، الزهد ، ٧٤ ؛ وابن ماجة ، الصداقات ، ١٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٠٤.
(٧) «ترجعون» : قرأ أبو عمرو ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء وفتح الجيم. البدور الزاهرة ، ٥٦.
(٨) تكمل ، ب م : يكمل ، س.
(٩) انظر الكشاف ، ١ / ١٥٥.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٣٧ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٠٧.