أدرك وعلم يقينا (عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) بالله وأرادوا قتله (قالَ مَنْ أَنْصارِي) أي من أعواني (إِلَى اللهِ) أي مع الله ، وهو جمع نصير (قالَ الْحَوارِيُّونَ) أي أصفياء عيسى ، سموا بذلك لتقاء قلوبهم أو الراجعون إلى الله ، من حار يحور إذا رجع أو القصارون من التحوير ، وهو التبييض (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أي أعوان دينه ، قيل : مر بهم عيسى وهم يغسلون الثياب وكانوا قصارين ، فقال لهم (١) : ألا أدلكم بقصارة أنفع من هذا ، قالوا : نعم ، قال : طهروا أنفسكم من الذنوب فبايعوه (٢) ، وقال (آمَنَّا بِاللهِ) أي صدقنا بتوحيده (وَاشْهَدْ) يا عيسى (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [٥٢] أي داخلون في الإسلام بالإخلاص ، وإنما قالوا ذلك تأكيدا لإيمانهم ، لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم.
(رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤))
ثم زادوا في التأكيد بقولهم (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) من الإنجيل على عيسى (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) أي عيسى على دينه (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [٥٣] لله بالوحدانية أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم ، ثم أخبر الله عن كفار قومه الذين أحس منهم الكفر ، فقال (وَمَكَرُوا) أي أرادوا قتله (وَمَكَرَ اللهُ) أي جازاهم على مكرهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [٥٤] أو أقويهم مكرا (٣) وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعرون. روي : «أن اليهود اجتمعوا على قتل عيسى فهرب منهم فدخل البيت فرفعه جبرائيل من الكوة إلى السماء ، فقال ملكهم لرجل خبيث اسمه يهوذا : ادخل عليه فاقتله ، فدخل ولم يجده ، فألقى الله عليه شبه عيسى (٤) ، فلما خرج ليخبرهم رأوه على شبه عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه ، ثم اختلفوا فيه (٥) ، فقال بعضهم : وجهه وجه عيسى وبدنه يشبه بدن صاحبنا ، فليس هو بعيسى فقتل بعضهم بعضا لذلك» (٦) ، وعيسى يطير مع الملائكة في السماء لابسا النور يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه.
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥))
قوله (٧)(إِذْ قالَ اللهُ) أي اذكر وقت قول الله (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي منيمك (٨) أو قابضك من الأرض أو إني مستوفي أجلك ولا أدع أن يقتلوك ، يعني أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخرك إلى أجل كتبته في الدنيا (وَرافِعُكَ إِلَيَّ) أي إلى السماء (وَمُطَهِّرُكَ) أي مبعدك ومنجوك (٩)(مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي من سوء جوارهم وخبث صحبتهم ، قيل : سينزل عيسى من السماء على عهد الدجال ليقتله ويتزوج بعد قتله امرأة من العرب وتلد له (١٠) ابنة فتموت ابنته ثم يموت هو بعد ما يعيش سنين كثيرة ، لأنه سأل ربه أن يجعله من هذه الأمة فاستجاب الله دعاءه (١١)(وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) في دينك الإسلام (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بك وبدينك ، أي يعلونهم بالحجة وبالسيف (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) قال ابن عباس رضي الله عنه : «الذين اتبعوه هم أمة محمد عليهالسلام ، لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع» (١٢)(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي إلى رجوع الذين اتبعوك والذين كفروا بك (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أي بين المؤمنين والكافرين في الآخرة (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [٥٥] من الذين في الدنيا.
__________________
(١) لهم ، ب م : ـ س.
(٢) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٢٧١.
(٣) مكرا ، ب م : ـ س.
(٤) شبه عيسى ، ب م : شبهه ، س.
(٥) فيه ، ب م : ـ س.
(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٧١ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٧٥ ، ٤٧٦.
(٧) قوله ، ب س : ـ م.
(٨) أي منيمك ، ب م : أي مميتك ، س.
(٩) ومنجوك ، س م : ومنجيك ، ب.
(١٠) له ، ب س : منه ، م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٧٢.
(١١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٧٢.
(١٢) انظر السمرقندي ، ١ / ٢٧٢ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٧٧ ، ٤٧٨ ؛ والكشاف ، ١ / ١٧٧.