نزول الكتابين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [٦٥] أي أفلا تدركون (١) بطلان قولكم فتجادلون بالجدال المحال ، لأن بين إبراهيم وموسى ألف سنة ، وبين موسى وعيسى ألفي سنة ، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦))
(ها أَنْتُمْ) مبتدأ و «ها» للتنبيه (هؤُلاءِ) خبره ، أي أنتم هؤلاء الأشخاص (حاجَجْتُمْ) أي جادلتم (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من أمر موسى وعيسى عليهماالسلام ، لأنه ثابت في كتابكم من التورية والإنجيل (فَلِمَ تُحَاجُّونَ) أي تجادلون (فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من أمر إبراهيم عليهالسلام وليس ذكره في كتابكم ، لأنه قبلكم (وَاللهُ يَعْلَمُ) أن إبراهيم كان على دين الإسلام (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [٦٦] ذلك.
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧))
ثم نزه إبراهيم عن اليهودية والنصرانية بقوله (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ) أي إبراهيم (حَنِيفاً) أي مقبلا إلى الله (مُسْلِماً) أي مخلصا في دينه ، والحنف (٢) الميل إلى الشيء والإقامة عليه ، وأكد ذلك بقوله (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [٦٧] كما لم يكن منكم في الدين.
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨))
ثم قال (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) أي أحقهم بدينه (٣) وأقربهم منه (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أي اقتدوا به في زمانه وبعده ، وهذا إبعادهم عنه ، والباء في (بِإِبْراهِيمَ) يتعلق ب (أَوْلَى) ، وخبر «إن» «للذين» ، قوله (وَهذَا النَّبِيُّ) أي (٤) محمد عليهالسلام ، عطف على («الَّذِينَ» (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد من هذه الأمة ، عطف على «النبي» ، يعني محمدا (٥) أيضا ، وأتباعه المؤمنون (٦) أولى بابراهيم ، لأنهم على دينه (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [٦٨] أي ناصرهم ومحبهم.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩))
قوله (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) نزل حين دعا اليهود معاذا وعمارا وحذيفة إلى دينهم (٧) ، أي أرادت وتمنت جماعة من أهل الكتاب (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أي أن يصرفوكم عن دين الإسلام إلى دين الكفر (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي وما يعود وبال الضلال إلا عليهم فوق عذاب كفرهم أو وما يصرفون (٨) عن الإسلام إلا أمثالهم (وَما يَشْعُرُونَ) [٦٩] بذلك.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠))
ثم قال (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي القرآن وبيان نعت محمد عليهالسلام (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) [٧٠] أي تعلمون أن نعته في كتابكم من التورية والإنجيل ، لأنهم كانوا يخبرون بنعته قبل البعثة (٩).
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١))
ثم قال (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) أي الإيمان بالكفر (١٠) وتخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ) وهو نعت محمد عليهالسلام ، أي تسترونه (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٧١] أنه حق ثابت في كتابكم.
__________________
(١) أي أفلا يدركون ، ب م : أي أفلا تذكرون ، س.
(٢) والحنف ، ب م : والحنيف ، س.
(٣) بدينه ، ب م : دينه ، س.
(٤) أي ، س م : ـ ب.
(٥) محمدا ، س : محمد ، ب م. ٦* عيون التفاسير ـ ١
(٦) المؤمنون ، ب م : المؤمنين ، س.
(٧) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٤٨٨.
(٨) أو وما يصرفون ، ب م : أو ما يصرفون ، س.
(٩) البعثة ، ب م : بعثه ، س.
(١٠) أي الإيمان بالكفر ، ب س : أي الكفر بالإيمان ، م.