أوتيتم من الكتاب والعلم (١) ، فيشرف عليكم في الدنيا أو يحاجكم عند ربكم في الآخرة ، فيغلب إلا من تبع (٢) دينكم بزيادة اللام في «لمن» والاستثناء من «أحد» ، وكره البعض ذلك لما فيه من تقديم المستثنى على المستثنى منه ، قلت : فيه مانع آخر ، وهو أن ما في حيز «إن» لا يتقدم عليها ، ثم أكد كون (٣) الهدى من الله بقوله (٤)(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ) أي الهدى والتوفيق وايتاء العلم والكتاب (بِيَدِ اللهِ) أي بقدرته ومشيته (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده (وَاللهُ واسِعٌ) أي كثير الفضل (عَلِيمٌ) [٧٣] بما هو أهله.
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤))
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) أي بنبوته أو (٥) دينه (مَنْ يَشاءُ) فيعطيهم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [٧٤] أي ذو المن الجزيل لمن اختصه بدين الإسلام.
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥))
قوله (٦)(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ) بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف ، وبسكون الهاء اكتفاء بالكسرة عن الياء ، وبالياء (٧) على الأصل ، و (مِنْ) مبتدأ ، وخبره (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، أي منهم من إن تعطه (٨) أمانة في حفظ قنطار من ذهب أو فضة يؤده (إِلَيْكَ) من غير جحد ونقص وهو عبد الله بن سلام ، استودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهبا ، فأداه إليه فمدحه الله تعالى لذلك ، فالباء (٩) في «بقيطار» بمعنى في أو على (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وهو كعب ابن الأشرف ، استودعه رجل من قريش دينارا فلم يؤده وجحده ، فذمه تعالى ، وقيل : هو فنحاص بن عازورا (١٠) ، قوله (١١)(إِلَّا ما دُمْتَ) «ما») فيه مصدرية ، نصب على الحال أو ظرف ، أي إلا في حال ملازمتك أو مدة دوامك يا صاحب الحق (عَلَيْهِ قائِماً) تطالبه بالحاح (ذلِكَ) أي ترك الأداء (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أن أهل الكتاب الخائنين (قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ) أي في مال العرب (سَبِيلٌ) أي إثم فانهم كانوا يستحلون مال من كان على خلاف ديهم (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) من أن ذلك حلال في التورية (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [٧٥] بكذبهم ، لأن الله أمرهم فيها بأداء الأمانة إلى أهلها.
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦))
(بَلى) إيجاب لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين ، أي بلى عليهم فيهم ، ثم استأنف وقال تعالى بالشرط (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) أي من أتم بعهد الوافي أو بعهد الله الذي عهده (١٢) إليهم في التورية وأخذ ميثاقهم عليه من الإيمان بمحمد وأداء الأمانة (وَاتَّقى) أي الشرك والخيانة ، وجواب الشرط (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [٧٦] عن الغدر والخيانة ونقض العهد ، أي فان الله يحبه ، فقام عموم المتقين مقام الضمير الراجع من الجزاء إلى «من».
__________________
(١) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ١ / ١٨١.
(٢) إلا من تبع ، ب م : إلا لمن تبع ، س.
(٣) كون ، ب م : بكون ، س.
(٤) بقوله ، ب س : قوله ، م.
(٥) أو ، ب م : و ، س.
(٦) قوله ، ب س : ـ م.
(٧) «يؤده» معا : قرأ ورش وأبو جعفر بابدال الهمزة واوا خالصة في الحالين وكذلك حمزة عند الوقف ، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة وأبو جعفر باسكان الهاء وصلا ووقفا ، وقرأ قالون ويعقوب وهشام بخلف عنه بالقصر وقد عبر عنه بالاختلاس ، والمراد بالقصر أو الاختلاس في هذا الباب هاء الكناية الإتيان بالحركة كاملة من غير إشباع أي من غير صلة ، وقرأ الباقون بالكسرة الكاملة مع الإشباع وهو الوجه الثاني لهشام ولا يخفي أن من قرأ بالقصر أو الصلة فانه يقف بالسكون ، معلوم أن من يقرأ بالصلة يكون المد عنده من قبيل المنفصل فكل يمد حسب مذهبه. البدور الزاهرة ، ٦٦.
(٨) تعطه ، ب س : تعط ، م.
(٩) فالباء ، ب م : والباء ، س.
(١٠) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٧٨.
(١١) قوله ، س م : فقوله ، ب.
(١٢) عهده ، ب م : عهد ، س.