الإيمان (خَيْراً لَهُمْ) مما هم عليه من الكفر وحب الرياسة وحظوظ الدنيا ، ثم قال على سبيل الاستطراد مدحا وذما (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ومن آمن منهم بالرسول (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [١١٠] أي الخارجون (١) عن طاعة الله ككعب بن الأشرف وأصحابه ومن لم يؤمن منهم به.
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١))
ثم أنزل تعالى عن إيذاء اليهود من أهل الكتاب المسلمين بمحمد عليهالسلام تثبيتا لمن أسلم منهم وتشجيعا عليهم (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) أي ضررا بقول تتأذون به كسب ووعيد ، وليس لهم قوة القتال معكم (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) أي إن خرجوا إلى قتالكم (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) أي يرجعوا ويهربوا إلى أدبارهم منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر (ثُمَّ) هم (لا يُنْصَرُونَ) [١١١] أي ثم لا يكون عون من أحد لهم ولا يمنعون منكم وهو وعد بالاستئناف و «ثم» للتراخي في المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بهربهم إلى الأدبار ، يعني أنهم بعد توليهم (٢) الأدبار لا ينصرون قاتلوا أو لم يقاتلوا (٣) ، وهو معطوف على جملة الشرط والجزاء.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) أي ألزم عليهم القتل والجزية (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي حيث (٤) وجدوا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) أي بعهد منه (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي بعهد من المسلمين فيؤدون إليهم الجزية ، فان لم يكن لهم عهد قتلوا (وَباؤُ) أي رجعوا (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) أي جعلت (٥) عليهم (الْمَسْكَنَةُ) أي زيّ الافتقار ، قيل : إنهم يظهرون من أنفسهم الفقر لكي لا تضاعف (٦) عليهم الجزية (٧)(ذلِكَ) أي ما ذكر كائن (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بالقرآن وبمحمد عليهالسلام (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي يرضون بفعل آبائهم من القتل ، فكأنهم قتلوهم (ذلِكَ) أي الكفر والقتل والغضب من الله (بِما عَصَوْا) الله (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [١١٢] عن حدود الله ، والباء للسببية.
(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣))
ثم قالت اليهود عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه : ما أسلم منا إلا شرارنا فنزل (٨)(لَيْسُوا سَواءً) نافيا للسوية بينهم وتفضيلا لمن آمن من أهل الكتاب على من لم يؤمن ، أي ليس أهل الكتاب مستوين في الدرجة عند الله ، لأنهم مصدقين بمحمد عليهالسلام ومنهم مكذبين به ، قوله (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) جملة مستأنفة مبينة لجملة (لَيْسُوا سَواءً) ، أي منهم جماعة مستقيمة بالإيمان في دين الله مهدية عاملة (٩) بكتاب الله أو قائمة في الصلوة وطاعة الله (١٠)(يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) أي القرآن ، صفة ثانية لهم (آناءَ اللَّيْلِ) أي ساعاته (١١)(وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [١١٣] حال من الضمير في (يَتْلُونَ) ، أي حال كونهم يصلون لله فيها.
__________________
(١) الخارجون ، ب م : خارجون ، س.
(٢) توليهم ، ب س : توليتهم ، م.
(٣) يقاتلوا ، ب س : تقاتلوا ، م.
(٤) حيث ، م : ـ ب س.
(٥) جعلت ، ب س : جعل ، م.
(٦) تضاعف ، ب م : يضاعف ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٩٢.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٩٢.
(٨) عن ابن عباس ومقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٣٤ ؛ والواحدي ، ١٠١.
(٩) عاملة ، ب س : عالمة ، م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٩٢.
(١٠) وطاعة الله ، ب م : وطاعته ، س.
(١١) أي ساعاته ، ب م : أي ساعته ، س.