إلا قولهم هذا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) باضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين هضما لها (١) ، والمراد الصغائر والكبائر (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) عند القتال مع الأعداء (وَانْصُرْنا عَلَى) أعدائنا (الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [١٤٧] بك وبنبيك (٢) وإنما قدموا الاستغفار ، لأن تقديم الدعاء بالاستغفار والخضوع أقرب إلى الاستجابة.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨))
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) من النصرة والغنيمة وطيب الذكر (وَ) آتاهم (حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) من الأجر والجنة ، وقيد ثواب الآخرة بالحسن ليدل على فضله والاعتداد به عنده (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [١٤٨] في الجهاد والطاعة بالصبر والاستقامة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) نزل في المنافقين الذين قالوا عند الهزيمة للمؤمنين : ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم (٣) ، فقال تعالى : أيها المؤمنو (٤)! إن تطيعوا المنافقين (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) بعد الإيمان كفارا (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) [١٤٩] باطاعتهم في مقالتهم فلا تطيعوهم.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠))
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) أي ناصركم ووليكم ، فأطيعوه فيما يأمركم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [١٥٠] على عدوكم فلا احتياج لكم إلى نصرة غيره وولايته.
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١))
قوله (سَنُلْقِي) نزل حين عزم المشركون بعد عودهم إلى مكة من أحد ليرجعوا من الطريق ، ويستأصلوا المسلمين (٥) ، فقال تعالى : سنقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) بضم العين وسكونها (٦) ، أي الخوف والهيبة ، فلما رجعوا على ذلك ألقى الخوف في قلوبهم فأمسكوا (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) أي بسبب إشراكهم به (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) أي آلهة لم ينزل الله باشراكها (سُلْطاناً) أي حجة لهم (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي مصيرهم إليها في الآخرة (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [١٥١] أي مقام المشركين النار.
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢))
قوله (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) نزل حين رجع المسلمون إلى المدينة ، فقال ناس من المسلمين : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ (٧) فقال تعالى : لقد وعدكم الله النصر بشرط الصبر والتقوى في قوله (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا)(٨) الآية ، فكان النصر لكم (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) أي في وقت تقتلونهم (٩) قتلا ذريعا (بِإِذْنِهِ) أي بأمره
__________________
(١) لها ، ب م : لهم ، س.
(٢) وبنبيك ، ب س : ونبيك ، م.
(٣) عن علي رضي الله عنه : انظر البغوي ، ١ / ٥٦٣ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٠٥.
(٤) أيها المؤمنون ، ب م : أيها الذين آمنوا ، س.
(٥) عن السدي ، انظر الواحدي ، ١٠٦ ـ ١٠٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٥٦٤
(٦) «الرعب» : قرأ الشامي وعلي وأبو جعفر ويعقوب بضم العين ، والباقون باسكانها. البدور الزاهرة ، ٧١.
(٧) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر الواحدي ، ١٠٧ ؛ والبغوي ، ١ / ٥٦٥.
(٨) آل عمران (٣) ، ١٢٠.
(٩) تقتلونهم ، ب س : يقتلونهم ، م.